للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

(٢) قال الشيخ عبد القاهر يعلل بأمر نفسي هذا الأمر الذي ادعى الأستاذ أنهم لم يذكروا له تعليلا نفسيا (وان أردت اعتبار ذلك - يعني تأثير التمثيل في النفس - في الفن الذي هو أكرم وأشرف (يقصد فن الوعظ) فقارن بين أن تقول: إن الذي يعظ ولا يتعظ يضر بنفسه من حيث ينفع غيره. وتقتصر عليه وبين أن تذكر المثل على ما جاء في الخبر من إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مثل الذي يعلم الخبر ولا يعمل به مثل السراج الذي يضيء للناس ويحرق نفسه. . . الخ

(فأما القول في العلة والسبب، ولم كان للتمثيل هذا التأثير وبيان جهته ومأتاه وما الذي أو جبه واقتضاه فغيرها)

(وإذا بحثنا عن ذلك وجدنا له أسبابا وعللا كل منها يقتضي أن يضخم المعنى بالتمثيل ووينبل، ويشرف ويكرم، فأول ذلك وأظهره أن أنس النفوس موقوف على أن تخرجها من خفي إلى جلي، وتأتيها بصريح بعد مكني، وأن تردها في الشيء تعلمها إياه إلى شيء أخر هي بشأنه أعلم، وثقتها به في المعرفة أحكم، نحو أن تنقلها عن العقل إلى الإحساس، وعما يعلم بالفكر إلى ما يعلم بالاضطرار والطبع، لأنه العلم المستفاد من طرق الحواس أو المركوز فيها من جهة الطبع وعلى حد الضرورة يفضل المستفاد من جهة النظر والفكر في القوة والاستحكام، وبلوغ الثقة فيه غاية التمام، كما قالوا (ليس الخبر كالمعاينة ولا الظن كاليقين) فلهذا يحصل بهذا العلم هذا الأنس أعنى الأنس من جهة الاستحكام والقوة. وضرب أخر وهو ما يوجبه تقدم الألف كما قيل ما الحب إلا للحبيب الأول.

ومعلوم أن العلم الأول أتى النفس أو لا من طريق الحواس والطباع، ثم من جهة النظر والروية، فهو أذن أمس بها رحما، وأقوى لديها ذمما، وأقدم لها صحبة، وأكد عندها حرمة، وإذا نقلتها في الشيء بمثله عن المدرك بالعقل المحض وبالفكرة في القلب، إلى ما يدرك بالحواس أو يعلم بالطبع وعلى حد الضرورة فأنت كمن يتوسل إليها للغريب بالحميم، وللجديد الصحبة بالحبيب القديم، فأنت أذن مع الشاعر إذا وقع المعنى في نفسك غير ممثل ثم مثله كمن يخبر عن شيء من وراءه حجاب ثم يكشف عنه الحجاب ويقال: هاهو ذا فأبصره تجده على ما وصفت)

وبعد فنحن لا يكفينا من معاصرينا أن يثلبوا الأقدمين وينوهوا بقصورهم وتقصيرهم،

<<  <  ج:
ص:  >  >>