شخصية الكاتب هي مفتاح الكتاب، وفهمها يبعث في أوصاله الحياة، والذين يتحدث عنهم الأستاذ سيد قطب من الأحياء، نعرفهم بأشخاص ونراهم ونتحدث إليهم، ونسمع عنهم، وأكبر الظن أنهم جميعا من أصدقاء الأستاذ سيد قطب، أو على الأقل اتصل ببعضهم صلة شخصية، تيسر له النفاذ منهم إلى الأعماق ودراسته لكتبهم، فكان الأولى أن يجعل العنوان (شخصيات وكتب) لولا رنين الإيقاع.
وكتاب الأستاذ سيد قطب محقق الفائدة، لأنه يعرض رأيه في صدق وقوة ونفاذ. والأصح أن أقول انه يعرض شعوره وإحساسه بدلا من رأيه لأن مسائل الأدب، شعرا كانت أم قصصا أم دراسات تحليلية، إنما تدرك بالذوق والشعور لا بالمنطق والعقل، ولو أن الفصل التام بين العقل والعاطفة مستحيل.
وهنا قد يختلف القارئ مع الأستاذ سيد قطب في أحكامه، فيرجع كاتبا على كاتب، أو يعجب بشاعر دون شاعر. وقد تتفق مع المؤلف في إعجابه ولكنك تجهل سبب الإعجاب، فيقدم لك العلة والميزان. ومن الواضح أن سيد قطب يعجب بالأستاذ عباس العقاد ويقدمه على السواء. وسوف تعرف علة هذا الإعجاب عندما تقرأ الكتاب.
وللأستاذ العقاد شعر جيد تذوقته عندما عرض بعضه سيد قطب. وتسألني لماذا تتذوق هذا الشعر من قبل، فأقول إنني أرهب الشعر، ولا أقدم على قراءته. ولقد يزيد عجبك إذا عرفت أنني كنت أقرض الشعر وأنا صبي صغير في الحادية عشر من عمري، حين كنت بالسنة الأولى بالمدارس الثانوية، ثم غفر الله لمدرسي اللغة العربية الذين قتلوا في نفسي هذه الموهبة، بل صرفوني حتى عن قراءته بما كانوا يختارونه لنا من شعر سقيم لا يحسنون الدخول إليه والاحتفال به. وأذكر أن الأستاذ الزيات ذهب هذا المذهب في كتاب (دفاع عن البلاغة) فأرجع بعد الناشئين عن الكتابة البليغة إلى المعلمين. ومن الإنصاف أن أذكر طه حسين بالخبر في هذه المناسبة فقد حضرت عليه درسا في الأدب العربي بالجامعة المصرية سنة ١٩٢٥ كان يشرح فيه معلقة النابغة الذبياني، فكان المدرس الوحيد الذي دفعني إلى تغير رأيي في الشعر العربي. ولكن عاما واحدا لم يكن كافيا لتخلص لي ذوق الشعر، فظللت حتى الآن منصرفا عنه لا أحفظ إلا الأبيات القليلة، ولا أستطيع الانقطاع إلى قصيدة بتمامها.