أما إذا تبدل تكوين العناصر الاجتماعية في الأمة فيومئذ لا يغنى الألف عن عشرة الآلاف، ويومئذ يتحرك العشرة الآلاف جميعاً لإعطاء أصواتهم لان مصالحهم لا تمثلها مصالح ألف منهم أو ألفين، ويومئذ يتعلق الأمر بالبواعث النفسية التي تحفز الناخب إلى الاهتمام بإعطاء صوته لمن يرضاه، ولا يتعلق الأمر بالنصوص الحرفية أو بالكمية العددية، لأن النصوص الحرفية لا تخلق الاهتمام، ولا تخلق المصالح التي تبعث في النفوس ذلك الاهتمام.
نعم إن القوانين تحتاج إلى التعديل بين الحين والحين لرفع بعض القيود وتوسيع بعض الحقوق، وليس هذا الذي ننفيه وننكره لأنه بديهي واضح لا يقبل النفي والإنكار، ولكننا نريد أن نقول إن شأن النصوص والكميات العددية دون ذلك الشأن الضخم الذي يبالغ فيه بعض المعقبين على إحصاءات الانتخابات؛ لأن تغيير النصوص كما رأينا لم يغير (تركيبة) المجلس النيابي في مصر لا من حيث الطبقة ولا من حيث الكفاءة ولا من حيث المزايا الاجتماعية أو الخلقية، ولان عدد الناخبين يغنى فيه ألف كما يغنى فيه عشرة آلاف، إذا كان هؤلاء جميعا على تشابه في العناصر الاجتماعية والمصالح الطائفية، فيصح التمثيل القومي بالعدد القليل كما يصح بالعدد الكثير.
تلك هي عبرة المقابلة بين نظم النيابة في العهد الحاضر ونظم النيابة في عهد الاحتلال.
أما حركة الاستقلال فقد كان لورد كرومر حريصاً على تقرير الواقع في وصفها حين قال:(. . . إذا قلنا أن الحركة الوطنية المصرية الحالية ليست إلا حركة نحو الجامعة الإسلامية لم يطابق قولنا الواقع من كل وجه) ولعله لم يخالف الواقع كثيراً حين وصف تلك الحركة في أيامه فقال إنها مصبوغة صبغاً شديداً بصبغة الجامعة الإسلامية) ثم عاد فقال: (وإني على الرغم من جميع الظواهر لا أزال غير مقتنع بأن الميل إلى الجامعة الإسلامية متأصل كثيراً في الهيئة الاجتماعية المصرية. بل إني واثق إنه لو كان المصريون يعتقدون إمكان إخراج الآراء المتعلقة بتلك الجامعة من القوة إلى الفعل لانقلب الرأي العام عليها انقلاباً عظيماً سريعاً. . .).
هذه التفرقة بين حركة الاستقلال وحركة الجامعة الإسلامية هي نظرة مشكورة من سياسي