للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

في عقله. ثم تنبه في نفسه دينه، وعلا صوت أمانته يقول له: إن هذا المال ليس لك. إنما هي لقطة لا بد لك من التعرف بها سنة فإذا لم تجد صاحبها حلت لك. وتصور السنة وطولها وهو الذي يبحث عن عشاء يومه. . . وهل يبقى حياً سنة أخرى؟ وهل تبقى أسرته في الحياة؟ وماذا ينفعه أن يكون الذهب له بعد ما مات من الجوع. ومات معه من يرثه؟. . . وأحس كأن قواه قد خارت، وود لو أعاد الهيمان إلى مكانه، ولم يكن قد ابتلى بهذه البلية. . . ولكنه كان رجلا فقيهاً يعلم أن اللقطة أن مست فلا بد من التعرف بها، وان هو أرجعها إلى مكانها وفقدت كان المسئول عند الله عنها، أما إذا لم يمسها فلا شيء عليه منها. . .

وجعلت الأفكار تصطدم في رأسه وتتراكض وتصطرع وحتى شعر أن عظم صدغيه سيتكسر من قرع الأفكار المتراكضة في رأسه، وطفق يسمع صوتاً يهتف به ان: خذها فهي رزق ساقه الله إليك. ادفع بها الموت عن بناتك اللاتي اطاف بهن الموت. اشبع بها هذه الأكباد الغرثى. اكس هذه الأجساد العارية، ثم إذا أيسرت رددتها إلى صاحبها، أو دفعتها إليه ناقصة دنانير لن يضره على غناه نقصها. ثم يسمع هاتف دينه يقول له: اصبر يا رجل ولا تخن أمانتك، ولا تعص ربك. وعقد العزم على الصبر، واستعان بالله، وذهب إلى داره يخبأ الهميان حتى يجئ صاحبه. . . أو يحكم الله فيه. .

ودخل الدار متلصصاً، فرأته امرأته فقالت:

ما جاء بك يا أبا غياث؟

قال: لا شيء. واحب أن يكتمها خبر الهميان، وما كان يكتمها من قبل أمراً.

قالت: بلى والله؛ إن معك شيئاً، فما هو؟

فخاف أن تراه فيستطار لبها. . . فقص عليها القصة، وكانت امرأة تقية دينة، ولكنها أضعف منه إرادة، وأوهن عزماً، فقالت:

افتحه، وخذ منه دنانير اشتر لنا بها شيئاً، فإننا مضطرون والمضطر يأكل الميتة. . .

قال: لا والله، ولئن مسسته أو خبرت خبره أحداً فأنت طالق.

وتركها مغيظة محنقة وخرج يبحث عن صاحبه، لعله يأخذ منه شيئاً حلالا يدفع به الضر عن عياله.

<<  <  ج:
ص:  >  >>