وكان أولى به أن يعرض عنه، وان يبغضه، وقد منعه ديناراً واحداً يحيي لو جاد به عليه هذه الأنفس المشرفة على الموت، ولكن الشيخ كان رجلا سمحا لا يتسع قلبه البغضاء، فقام إليه وسأله عما رجع به، فقال الخراساني:
(يا شيخ، مات أبي وترك ثلاثة آلاف دينار، فقال، اخرج ثلثها ففرقه في أحق الناس عندك له، وبع رحلي واجعله نفقة لحجك، ففعلت ذلك، وأخرجت ثلثها ألف دينار، وشددته في هذا الهميان، وما رأيت منذ خرجت من خراسان إلى الآن جلا أحق به منك، فخذه بارك الله لك فيه.
ووضعه وولى).
قال الطبري:(وكنت قد ذهبت فما راعني إلا الشيخ يسرع خلفي يدعوني، فرجعت إليه فقال لي: لقد رأيتك تتبعنا من أول يوم، وعلمت انك عرفت خبرنا، وقد سمعت أحمد بن يونس اليربوعي يقول: سمعت مالكا يقول: سمعت نافعاً يقول: عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر ولعلي رضي الله عنهما: إذا أتاكم الله بهدية بلا مسألة ولا استشراف نفس فاقبلاها، ولا ترداها فترداها على الله؛ فهي هدية من الله والهدية لمن حضر. فسر معي.
فسرت معه. فقال لي: إنك لمبارك، وما رأيت هذا المال قط، ولا أملته قط، أترى هذا القميص؟ إني والله لأقوم سحرا فأصلى الغداة فيه، ثم انزعه فتصلى فيه زوجتي وأمها وبناتي وأختاي واحدة بعد واحدة، ثم البسه وأمضى اكتسب إلى ما بين الظهر والعصر، ثم أعود بما فتح الله به علي من اقط وتمر وكسيرات كعك فنتداول الصلاة فيه. . .
حتى إذا وصلنا إلى الدار نادى: يا لبابة يا كيتنه يا فلانة وفلانة، حتى جئن جميعاً فأقعدهن عن يمينه، وأقعدني عن شماله؛ وحل الهميان وقال: ابسطوا حجوركم، فبسطت حجري، وما كان لواحدة منهن قميص له حجر تبسطه فمددن أيديهن، وأقبل يعد ديناراً ديناراً، حتى إذا بلغ العاشر قال، وهذا لك، حتى فرغ الهميان فنال كل واحدة منهن مائة دينار، ونالني مائة)
ولما أذن المغرب، وحف نساء الشيخ بمائدة كموائد الناس، عليها الطيبات من الطعام، قال لامرأته: