فأهدى له في أحدهما برنية ضخمة فيها ثوب ناعم وطيب، قد كتب على حواشيه:
نفسي بشيء من الدنيا معلقة ... الله، والقائم المهدي يكفيها
إني لأيأس منها ثم يطعمني ... فيها احتقارك للدنيا وما فيها
وحدث إبراهيم بن المهدي قال: كنت عند الرشيد، فأهديت له أطباق ومعها رقعة. فلما قرأها استفزه الطرب. فقلت: يا أمير المؤمنين ما الذي أطربك؟ قال: هذه هدية عبد الملك بن صالح. ثم نبذ إلى الرقعة فإذا فيها:(دخلت يا أمير المؤمنين بستاناً أفادنيه كرمك، وعمرته بنعمتك، وقد أينعت ثماره وفاكهته. فأخذت من كل شيء وصيرته في أطباق القضبان، ووجهته لأمير المؤمنين ليصل إلي من بركة دعائه، مثل ما وصل إلي من بركة عطائه).
قلت وما في هذا ما يقتضي هذا السرور. قل ألا ترى إلى ظرفه كيف قال القضبان، فكنى عن الخيزران إذ كان يجري به اسم أمنا.
ثم كشف المنديل فإذا بعضها فوق بعض، في أحدها فستق وفي الآخر بندق إلى غير ذلك من الفاكهة.
أهدى أحمد بن يوسف للمأمون مرة ثوب وشى. وأهدى إليه مرة ثانية طبق جذع عليه ميل من ذهب فيه اسمه منقوش. وكتب إليه:(هذا يوم جرت فيه العادة، بألطاف العبيد السادة، وقد أرسلت إلى أمير المؤمنين طبق جذع فيه ميل).
وأهدى عبد الله بن طاهر له فرساً، وكتب إليه: (قد بعثت إلى أمير المؤمنين بفرس يلحق الأرانب في الصعداء، ويجاوز الظباء في الاستواء، ويسبق في الحدور جري الماء.
وهدية الخيل كانت معروفة من قبل فقد أهدى الحجاج عبد الملك فرساً، واهدي عمرو بن العاص إلى معاوية ثلاثين فرساً من سوابق خيل مصر.
ولما أفضت الخلافة إلى المتوكل اهدي إليه إليه الناس على أقدارهم وأهدى إليه ابن طاهر هدية فيها مائتا وصيفة ووصيف. وفي الهدية جارية يقال لها محبوبة كانت لرجل من أهل الطائف قد أدبها وثقفها وعلمها من صنوف العلم وكانت تحسن كل ما يحسنه علماء الناس. فحسن موقعها من المتوكل، وحلت من قلبه محلا جليلا.
وبعث الحسن بن وهب إلى المتكل بجام من ذهب فيه ألفا مثقال من عنبر.