طاقتكم أن تخلقوا سواها؟ فإذاكانت باهرة ولكنها قد ظلمها النقاد، أليس في استمراركم على التأليف وإتيانكم بعد الآية الآية الأخرى، وإتحافكم الناس بمؤلف في أثر مؤلف أقوى دليل على حسن استعدادكم، وعلو كعبكم؟
وبعد، فهذه نصيحة أخرى، وهي أن يؤلف من يؤلف منكم لأنه مندفع إلى ذلك بميل في نفسه لا لكي يطلع الناس منه على ما يمدحونه به، فلأديب الصحيح من ألف لنفسه أولاً، ولا تظنوا أنني سأجتزئ من واجبات النقابة بالنصح لكم، بل سأتجه بكم نحو نضال يجعل المشايخ يطلبون عفو الشبان وهم جاثون خاضعون مذعنون، وليس في خطتي شيء عجيب، فإني لن افعل شيئا اكثر مما يفعله نقباء سائر النقابات، فإني إذا ما حزبكم أمر سأدعوكم إلى الاعتصاب والإضراب عن التأليف والكتابة إضرابا تاماً، فيعدل عند ذلك عن الاقتراب من الأقلام كل من يكتب منكم في مجلة أو صحيفة، أو من يؤلف الكتب سواء أكان ممن يكتبون في الجد أم في الفكاهة؛ وإذا ما رأى بعضكم أن ذلك غير ممكن لتغلب شهوة الكتابة عليه مهدنا له السبيل بأن نجعل في دار النقابة مطبعة ونجعل لها صحيفة ونقصر قراءتها على أفراد النقابة أو أعضائها كما يقولون أحياناً، وعند ذلك يجد شيوخ الأدب أنفسهم عدداً ضئيلاً، كما حدث لأشراف رومة من قبلهم منذ قرون، فلا يستطيعون أن يخرجوا جريدة ولا مجلة، ولا يجدون شيئاً ينتقدونه ويظهرون بنقده سيادتهم فتقف دواليب أعمالهم ويعضون البنان أسفاً على إحراجكم واغضابكم، ويلجئهم الحرص على مصلحتهم إلى طلب الصفح وإلى معاملتكم بالعدل والحق. حقاً قد يستريح الجمهور بضعة أيام من القراءة، غير انه قد يستجم في أثناء هذه الأيام قدرته على الاستقلال في التفكير فيكون أقدر على أن يزن أقوال مشايخ الأدباء فيكم وحكمهم عليكم، وعند ذلك لا أتشدد في مطالبي، بل سأقتصر على طلب واحد إلى مشايخ الأدباء، وذلك أنهم إذا شاءوا نقد مؤلف أحدكم فهم بين أمرين لا ثالث لهما: إما أن يذكروا محاسنه ومساويه كما قال أحد قدماء مشايخ الأدب، وأن يعدلوا في الحكم ماداموا يجعلون عنوان كتابهم (نقد كذا) وإما أن يجعلوا عنوان كتابتهم (محاسن كذا) ويكتفوا بذكر محاسنه أو (مساوئ كذا) ويكتفوا بذكر مساوئه، فإذاهم قبلوا ذلك الشرط أبحت لكم العودة إلى معاونتهم ومشاركتهم، وإن هم أبوه مضينا في الإضراب حتى تلجئهم ضرورة الحياة إلى النزول عند العدل.