قرع الحقيقة والطعن بقسوة على نبي الإسلام بطريقة اعتبرها بعض المفكرين الغربيين أنفسهم خطرة على سيادة العقل وحرية الفكر. فسالي وبولينفي وساقاري أمثلة لبعض البحاث الذين عملوا على إظهار بعض الحقائق في أثناء دراستهم لشخصية الرسول. فالأول يترجم القرآن في سنة ١٧٣٤، ويبرز لنا محمد كرجل مثالي ظهر في الإنسانية العليا. وقبله بولينفي يؤلف كتاباً عن محمد يحاول فيه أن يبرهن بقوة على أفضلية الدين الإسلامي على غيره من الأديان، ويبرز لنا شخصيته كمشروع حصيف مستنير جاء بدين صحيح جعله هداية للعالمين، ليحل محل المسيحية واليهودية وهما الديانتان اللتان كانتا قد تقوضت مبادئهما وملأتهما الريبة. أما ساري فيترجم القرآن في سنة ١٧٨٢، ويضع محمداً بين الرجال القلائل الذين ظهروا على سطح الأرض ونفحتهم الطبيعية قدرة خارقة ليغيروا أحوال الناس والعصر ليقودوهم إلى النعماء والرخاء. فسيرة محمد في راية تذهل الباحث وتدفعه إلى الإيمان بكمال الإيمان بكل العقيدة التي توصل إليها والتي ساعدته الظروف فيها. ففي أثناء رحلاته شاهد ببصيرة يقظة انقسام المسيحية وعجرفة اليهودية؛ فأراد أن يكون دينه للجميع، وان يكون فيه يسر وانسجام مع الفطرة والعقل. وبالرغم من إنه ولد وثنياً فقد دعا إلى تخليص العقيدة من كل شك، وتجريد الله من كل مادة. وعبادة اله واحد له الأمر من قبل ومن بعد. ولكي يستميل إليه القلوب ويقنع الناس بصحة مبادئه ويضمن لها التأييد، أحاط نفسه بالحماية الإلهية، وادعى إنه رسول الله. فعلى المفكرين المستنيرين أن ينصفوا محمداً لا كرسول بل كأحد هؤلاء الرجال النوادر الذين آثروا في الحياة تأثيراً ظاهراً لا زال باقياً حتى الآن.
هذا الحكم الرفيق على محمد المقدر لعبقريته قوبل بتيار آخر عنيف ساد بين المفكرين في نفس هذا القرن المضيء ووصل إلى حد التشويه والمثالب. فنرى فولتير يغضب على محمد في مأساته التي نشرها في سنة ١٧٤٢؛ ففي المقدمة يهاجم مباشرة آراء سالي ونولينفي وهما اللذان دافعا عنه، وعلى اية حال فإن حكم فلتير على الرسول خففه في مقالته التي كتبها عن الأخلاق ' فاعترف فيها ببعض مواهبه وان رأى إنه لم يأت بشيء جديد سوى ادعائه النبوة. وقد راج رأى فولتير وقتاً فنرى ديدرو يستفيض في طعنه على محمد بينما نرى كارلايل في محاضرته عن الأبطال في ٨ مارس سنة ١٨٤٠ يحمل