الإسلامية، وقد دفع الشيخ دفعاً قوياً رائعاً شبهة القائلين:(ان الشريعة الإسلامية جاءت عن طريق الشرائع القديمة، ولم يكن للعرب قانون معروف، حتى تكون تعديلاً له وتنظيماً لأحكامه). وبيّن أن القرآن جاء وللعرب عادات ومعاملات وعرف، وأنه (أقر كثيراً مما درجوا عليه في هذه الشئون، وهذب فيها وعدل وألغى وبدل، وليس ذلك مما يضير القرآن في تشريعه واستقلاله، فما كان الإسلام إلا ديناً يراد به تدبير مصالح العباد وتحقيق العدالة وحفظ الحقوق، ولم يأت ليهدم كل ما كان عليه الناس ليؤسس على أنقاضه بناء جديداً لا صلة له بفطرة البشر وما تقتضيه سنن الاجتماع). وقد تتبع الشيخ في هذا الفصل كثيراً مما كان عند العرب وكثيراً من التشريع القرآني في دقة الإبداع. وقال في نهايته:(وهذا البحث جدير بالاستيعاب والتتبع، إذ به يتبين مقدار الصلة بين التشريع الإسلامي، وبين ما كان معروفاً عند العرب وقت نزول القران) وللشيخ قدرة على التتبع تظهر للقارئ في كل فصول الكتاب.
وقد ذكر الشيخ عن القران إنه لم يكن في أكثر أحكامه مفصلاً:(ولكنه يؤثر الإجمال ويكتفي في أغلب الشأن بالإشارة إلى مقاصد التشريع وقواعده الكلية، ثم يترك للمجتهدين فرصة الفهم والاستنباط)
وكان هذا شأن القران في الأمور التي تتغير بتغير الأزمنة والأمكنة، وهذا هو سر الخلود في الشريعة الإسلامية وصلاحها لكل زمان ومكان، واتساعها لكل ما يجد من المقتضيات والأحوال. أما في الأمور التي لا تتغير، فإنه يفصلها سمواً بها عن مواطن الخلاف والجدل، ولأنه يريدها مستمرة على الوضع الذي حدده لابتنائها على أسباب لا تختلف. وقد تحدث الشيخ حديثاً رائعاً عن أسباب الاختلاف بين العلماء في الفقه الإسلامي. ومما أعجبني ما تحدث به عن إثبات نسب أسامة بن زيد بقبول القائف:(هذه الأقدام بعضها من بعض). وان العلماء قد اختلفوا في هذا فأستدل بعضهم باستبشار الرسول لما سمع هذا الكلام على إقراره، وانه دليل على ثبوت النسب، وقد رجح المؤلف رأي القائلين بذلك. والذي أعجبني في هذه المسألة قول المؤلف: (وقد كان هذا أصلاً عظيماً في الأخذ برأي الطب الشرعي في الحوادث التي يعتبر القانون نظرها لتبين جهة الحق فيها من اختصاصه، ويمكن أن نلج من هذا الباب إلى الاعتماد في القضاء والحكم على الوسائل