للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

هـ قال في تلخيص كتاب الشعر لأرسططاليس ما نصه: (والقول (الشعري) إنما يكون مختلفاً أي مغيَّراً عن القول الحقيقي من حيث توضع فيه الأسماء متوافقة في الموازنة والمقدار، وبالأسماء الغريبة، وبغير ذلك من أنواع التغيير. وقد يستدل على أن القول الشعري هو المغير أنه إذا غير القول الحقيقي سمى شعراً أو قولاً شعرياً ووجد له فعل الشعر. مثال ذلك قول القائل:

ولما قضينا من مِني كل حاجة ... ومسّح بالأركان من هو ماسح

أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا ... وسالت بأعناق المطي الأباطح

إنما صار شعراً لأنه استعمل: أخذنا بأطراف الأحاديث الخ. بدل قوله تحدثنا ومشينا.

وكذلك قوله: بعيدة مهْوى القُرط، إنما صار شعراً لأنه استعمل هذا القول بدل قوله: طويلة العنق. وكذلك قول الآخر:

يا دار أين ظباؤك اللُّعس ... قد كان لي في إنسها أُنس

إنما صار شعراً لأنه أقام الدار مقام الناطق بمخاطبتها، وأبدل لفظ النساء بالظباء، وأتى بموافقة الإنس والأنس في اللفظ. وأنت إذا تأملت الأشعار المحركة وجدتها بهذه الحال. وما عدا هذه التغيرات فليس فيه من معنى الشعرية إلا الوزن فقط، والتغيرات تكون بالموازنة والموافقة والإبدال والتشبيه وبالجملة بإخراج القول غير مخرج العادة، مثل القلب والحذف والزيادة والنقصان والتقديم والتأخير وتغيير القول من الإيجاب إلى السلب، ومن السلب إلى الإيجاب، وبالجملة من المقابل إلى المقابل).

وما دام الشعر مبنياً على هذه الصور والأشكال، فلا يكون النظر فيه إلا من جهة البيان والبديع، وذلك يقتضي النظر في بعض الأبيات وفي بعض أنواع الكلام.

لهذه الأمور الخمسة انحصر النقد البياني عند العرب في جزء واحد من النقد بمعناه العام عند الفرنج، وضاقت علوم البلاغة عندهم هذا الضيق الفاحش، فلم تعالج غير أبيات وفِقَر من الكلام المنظوم والنثر المسجوع، وأغفلت القصيدة باعتبارها وحدة لا تتفرق، والكتاب باعتباره كلاً لا يتجزأ، ولم نحفل ما ألّف بالنثر المرسل من الكتب والقصص. وجر ذلك إلى أن الشعراء والكتاب أوغلوا في البديع وتفننوا في الزخرف، وأهملوا فن القصص فتركوه لأدباء الشعب، ولم يعنوا منه إلا بالمقامات لأنها مظهر الصنعة ومحك القدرة،

<<  <  ج:
ص:  >  >>