فحرموا بذلك الأدب العربي فناً كانوا هم بسليقتهم أقدر الناس على التوفر له والافتتان فيه.
ومن ذلك يتضح أن فهم الأقدمين الخاطئ لحقيقة الفن الشعري والكتابي جر إلى حصر النقد البياني في الصور والأشكال، وهذا الحصر نفسه قد وجه الشعراء والكتاب إلى الاحتفال باللفظ دون المعنى، وبالصورة قبل الفكرة، ففات أكثرهم أن روعة الكلام لا تكون بالرونق والأناقة والصنعة وحدها، وإنما تكون مع ذلك بقوة التعبير عما تكنه الضمائر وتحسه المشاعر، وبدقة التصوير لمختلف الطبائع والعواطف والأخلاق والشهوات والصفات حتى نرى صور أصحابها الحقيقيين أو المتخيلين تتحرك وتفعل وتقول على مقتضى الغرائز الثابتة والفطر الأصيلة؛ وبكشف الغطاء عن طبيعة الشخص بكلمة تجري على لسانه، أو حركة تحدث عن يده، فتكون تلك الكلمة أو الحركة كومضة البرق في الظلام تنير الأفق بغتة؛ وببراعة الوصف لمناظر الطبيعة وظواهر الكون حتى نحس فيها الحياة والحركة وندرك ما بينها وبين النفس وانفعالاتها من اتصال وعلاقة؛ وبشدة التأثير في الأفئدة حتى تستيقظ فيها رواقد الأهواء والعواطف، فتطرب النفس أو تغضب، وتفرح أو تحزن، وترضى أو تسخط، وتحب أو تبغض.
لو إن نوابغ الكتاب والشعراء فطنوا أو نبهوا إلى ذلك لكان من همّ الناقد أن ينظر فوق ما ينظر في الألفاظ والصور إلى تنسيق المعاني وترتيب الأفكار في جملة القصيدة أو الخطبة أو المقالة أو القصة، أو الكلام على العموم سواء أكان شعراً أم كان نثراً؛ لأن سلامة الجزء المنفصل، أو بلاغة البيت المنفرد، لا تدل حتماً على سلامة الكل أو على بلاغة القصيدة.
كذلك كان ينبغي للناقد أن ينظر في الموضوع الذي عالجه الفنان ليرى ابلغ القصد فيما صور، وأصاب الشاكلة فيما رأى، وقارب الحقيقة فيما تخيل. وهل استطاع أن يبعث الحياة الطبيعية الحقيقية في الأشخاص الذين توهمهم ورسمهم. وهل قدر على أن يحرك في قلوبنا أهواء ساكنة، وينشئ في نفوسنا عواطف جديدة، بما أوحاه أو استدعاه أو رواه من الأماني والذكريات والحوادث؟
كذلك كان من عمل الناقد البياني أن يحلل ما ينشأ في نفس القارئ لروائع الكتاب والشعراء من العواطف، وان يبين كيف يستطيع الكاتب أو الشاعر أن ينشئ هذه العواطف أو يوحيها. ومن ثم كانت المقالات النقدية عند الفرنج عملاً فنياً قائماً بذاته يبوئ أصحابه