وكان يحلو له السياحة والتجوال مشياً على قدميه. ولم يعرف عنه ميل إلى التزلف، ولا نزوع إلى الخبث، ولم تؤثر دعابته ونكاته في مكانته الرفيعة بين معاصريه، ولم تقلل من احترام الأهلين له، ومحبتهم إياه.
إلى هنا ينتهي الوصف الذي يصدق على الجحوين: الشيخ أبي الغصين دجين بن ثابت، والأستاذ نصر الدين أفندي. ثم ينفرد ثانيهما بما يأتي:
كان تاريخه الحربي والسياسي - فيما يقولون - حافلاً بجلائل الأعمال. وقد ختم بسفارة رسمية سياسية في بلاد الكرد (كردستان) فنجح فيها أيما نجاح.
ويدل ما بقى في أيدينا من آثاره على انه لقي من ضروب الامتحان، وتعرض لأزمات كثيرة لقيها بثبات وثقة خليقين بأمثاله من كبار النفوس.
وما زال يعلوا في المناصب ويسفل، ويلقى من أسباب السخط والرضى - تبعاً لتقلب الأهواء ما يلقاه أمثاله من الأحرار الصابرين.
وقد ولى القضاء في آق شهر (البلد الأبيض) وملحقاتها. وكان يخطب في (سيوري حصار). وقد عرف عنه انه كان جريئاً لا يتهيب أن يدعوا الأمراء والولاة والحكام إلى طاعة الله والتمسك بأهداب الدين، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.
وكان يؤم الناس في ولايات (أنقرة) و (بورصة) و (قونية) وما إليها من البلدان وأقرأ ابن السلطان كتاب الهداية ووقفه على دقائقه وجلا له غوامضه.
ولن يؤخذ هذا الرجل الصالح بما فرط منه من زلات في جن نشاطه ومستهل فتوته. فقد اقلع عنها وتم له النسك بعد اكتمال عقله ورجولته وقد ختم حياته بالوعظ وتدريس علوم الدين.
وقد أهلته شجاعته وحكمته ودعابته، وما تحلى به من مواهب وميزات باهرة، وما حاباه الله به من قدرة على اكتناه دقائق الفن والنفاذ إلى مغالق العلم، وما ذاع بين معاصريه من شهرة مستفيضة بين علماء زمنه وحكماء عصره، إلى الظفر بأسمى المناصب، وأتاحت له المثول في حضرة (تيمورلنك) والاتصال به. ومكنت له تلك الأسباب مجتمعة من النجاح فيما هدف له من تلطيف جوره وكف أذاه عن الناس وتخليصهم من كثير من مظالمه.
قالوا: وساعدته على ذلك بديهة حاضرة وكياسة نادرة، ونكتة مستعذبة ودعابة محببة.