إذا كانت كتب الأدب تروى ذلك، فإنها تروي عن أبن الراوندي أنه قد صام صوما غير مبرور - لو صح هذا التعبير - وذلك انه كان سمينا بطينا، فقالت له إحدى صواحبه: إن وراءك شهرا ثقيلا فصمه ليذهب عنك هذا السمن فأطاعها تلبية لرغبتها لا امتثالا لأمر ربه، وهو يعلن هذا على العامة والخاصة فيقول في تبجح وعناد.
وقائلة وقد جلست جواري ... سمنت وكنت قبلئذ نحيفا
وراءك في غد شهر ثقيل ... فصمه لكي تكون فتى نحيفا
لوجهك لا لوجه الله صومي ... ولو أني لقيت به الحتوفا
وغير غريب من ابن الراوندي أن يقول ذلك فقد كان خبيث العقيدة سيئ الطوية، يعترض على كل شيء حتى على ربه فيعجب من مجرى الرزق في أسلوب وقح، ويهاجم الأديان في تمرد سافل فكيف تستكثر عليه ما قاله في رمضان؟ إننا نستكثر ذلك على رئيس فاضل كابن العميد مثلا فقد كان جليل الخطر في عصره، مطاع الكلمة في دولته، ثاقب العقل، وضيء التفكير، ومع ذلك فقد تورط فيما تورط فيه غيره حين هاجم هذا الشهر مهاجمة نكتفي بأن ننقل منها هذه الفقرات (اسأل الله أن يقرب على الفلك دوره، ويقصر سيوه، ويخفف حركته، ويزيل بركة الطول عن ساعاته، ويرد على غرة شوال، فهي أسنى الغرر عندي، واقرها لعيني، ويطلع بدره، ويسمعني النعي لشهر رمضان، ويعرض على هلاله أخفى من السحر، واظلم من الكفر، وانحف من مجنون بني عامر) إلى آخر ما جاء في الجزء الثاني من زهر الآداب.
وكيفما كان الحال فقد فتح ابن العميد بذلك على رمضان ثغرة واسعة، جعلته يستمع هجاءه شعرا ونثرا بعد أن كان يأمن على نفسه من ناحية النثر ويجيء بديع الزمان الهمذاني بعد ابن العميد وهو كما نعلم مولع بتقليده، مقتف اثره، فلا يفوته أن يهجو رمضان، فيكتب إلى أحد رؤسائه قائلا (خصك الله بتقصير أيامه، فهو وأن عظمت بركته، ثقيلة حركته، وأن جل قدره، بعيد قعره، فأن حسن وجهه فسوف يقبح قفاه، وما أحسنه في القذال وأشبه أدباره بالإقبال، جعل الله قدومه سبب ترحاله، وبدره فداء هلاله، وأمد فلكه تحريكا، بتقضي مدته وشيكا، واظهر هلاله نحيفا، لنزف إلى اللذات زفيفا) ونحن لا نستنكر ذلك من الهمذاني كما