وجائز جدا أن يكون ابن الرومي قد عانى صوم رمضان في أوقات تلفحها حرارة الصيف كما نعانيه في أوقاتنا هذه، فهو لا يكتفي بما قدمنا بل يعيد الهجوم ثالثة ورابعة، غير تارك بعده مجالا لقائل، وليت شعري ماذا ننتظر منه بعد أن يقول:
شهر الصيام وإن عظّمتُ حرمته ... شهر طويل ثقيل الظل والحركة
أذمه غير وقت فيه أحمده ... منذ العشاء إلى أن تصدح الديكة
وكيف أحمد أوقاتا مذممة ... بين الدءوب وبين الجوع مشتركة
يا صدق من قال أيام مباركة ... إن كان يعني عن اسم الطول بالبركة
شهر كأن وقوعي فيه من قلقي ... وسوء حالي وقوع الحوت في الشبكة
لو كان مولىً وكنا كالعبيد له ... لكان مولى بخيلاً سيئ الملكه
قد كاد لولا دفاع الله يسلمنا ... إلى الردى ويؤدينا إلى الهلكه
على أن من التناقض الظاهر أن نرى أبن الرومي في موضع آخر من ديوانه يهنيء أحد الرءوساء بشهر الصيام فينحى باللائمة على المستهزئين به، وما درى انه بشعره هذا قد فتح الباب لمن جاء بعده، ومهما يكن من شيء فقد ظهرت خفة روحه ظهورا أكسبه ملاحة وظرفا عند من يقدرون الأدب لذاته فهو على نقيض أبي العتاهية المسكين، فقد أوقعه حبه رمضان وتعظيمه إياه في مأزق مضحك، قال ابن رشيق في الجزء الثاني من العمدة (لما مات المهدي قام أبو العتاهية يرثيه على ملأ من الناس فقال (مات الخليفة أيها الثقلان)
فرفع الحاضرون رءوسهم، وفتحوا أعينهم وقالوا: نعاه إلى الإنس والجن ثم أدركه اللين والفترة فقال: (فكأنني أفطرت في رمضان).
يريد أني بمهاجرتي بهذا القول كأنما جاهرت بالإفطار نهارا في رمضان وهذا معنى جيد غريب في لفظ رديء غير معرب عما في النفس) ونحن نخالف صاحب العمدة فيما ذهب إليه من جودة هذا المعنى ولو كان كما قال ما قابله الجمهور بالسخرية والاستهزاء
وإذا كانت كتب الأدب تروى عن أبي نواس أنه قد حج حجا غير مبرور حين جد في طلب (جنان) فلم يظفر بطائل، ثم علم أخيرا أنها ذهبت إلى مكة فسار وراءها متظاهرا بالخشوع والنسك وفي ذلك يقول:
ولما أن عييت وضاق صدري ... بمطلبها ومطلبها عسير