للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

علي الطنطاوي

الموسيقى والغناء الشعبي:

يظن بعظهم إن الغناء الشعبي نوع من الموسيقى السهلة يستطيع أن يدخل في مضمارها كل من أوتي حظا قليلا من المعلومات الفنية، وهم في هذا لا محالة خاطئون، فأن الموسيقي الشعبي مضطر إلى مراعاة أمور كثيرة في فنه قد لا يلتزم فيها غيره منها دراسة نفسية الشعب والتزام حدود الأخلاق فيما ينتج من فنه فوق ما يحتاج إليه من قدرة في التصوير وثقافة علمية وموهبة فنية، ثم هو يمتاز بعد ذلك بصفاء النفس وشعور خلق من التعقيد الذي يفسد سذاجة الطبيعة، وبهذا تتحقق الغاية من فنه، وهو الارتفاع بنفسية الشعب وترقية أخلاقه وتهذيب مشاعره. .

فالموسيقى أذن أداة من أدوات التهذيب لا تقل في أثرها عن فن الكاتب وأساليب المصلح، فهي أسهل مدخلا إلى النفس، إذ لا يبذل المستمع ما يبذله من جهد في الاستمتاع بسائر الفنون الأخرى التي تتطلب منه جهدا عقليا، بل هي تنفذ مباشرة إلى النفس دون وساطة العقل

من الفنانين الذين قد اجتمعت لهم تلك الخصائص الفنان العظيم المرحوم الشيخ سيد درويش، تلك العبقرية النادرة التي هي من أعظم مصادر فخرنا، والتي لا نفتأ نحس بالعظمة ونشعر بالعزة كلما ذكرناها. . .

ولكن كم يزداد أسفنا حينما ننظر الآن إلى موسيقانا الشعبية وما أصابها من إسفاف وتبذل، حيث أننا نطلق الآن عليها هذا الاسم من باب التجاوز لا من باب الحقيقة، فما هي إلا مظهر من مظاهر العبث والانحلال الخلقي يتمثل في فئة من الشباب قد عجزت عن تحصيل عيشها من طريق مشروع، فانطلقت تملأ الجو بما من الله به عليها من هذا (الفن) الذي نخشى أن يؤدي بنا يوما إلى العار المطلق والسقوط الشنيع. . .!

هذا، علاوة على ما شاع في الأغاني من عبارات لا يقصد منها إلا استفزاز الغريزة واستثارة الشهوات بأقبح أساليب التعبير وأحط ضروب الكلام!!

فهل يمكن أن نأمل لهذا الحال صلاحا؟ إننا نهيب بولاة الأمور أن لا يتركوا الأمور تجري

<<  <  ج:
ص:  >  >>