للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ويأمر بما يرى، ثم يكتب للآفاق بما ينبغي.

فهؤلاء كانوا جواسيس رسميين، أما الجواسيس الذين لا يظهرون أنفسهم، ولا يعرفهم أحد، فكانوا أنواعاً منوعة، تفنن الخلفاء في استخدامهم. وكان فيهم الطفل (الطفل والمرأة والمحتاج والزمن وابن السبيل. . .)

وأول من عنى بالتجسس الخفي من الخلفاء: أبو جعفر المنصور (فقد كان يشتري رقيقاً من الرقيق، ثم يعطي الرجل منهم البعير، والرجل البعيرين، فيهيمون، أو يردون الماء كالمارين وكالضالين فيتجسسون. . .).

ويحدثنا الطبري أن أبا جعفر أتى مرة بأحد جنده فقال له: (أخف شخصك واستر أمرك وائتني في يوم كذا في وقت كذا. فأتاه، فقال له أن بني عمنا هؤلاء قد أبوا إلا كيداً لملكنا واغتيالا له، ولهم شيعة بخراسان بقرية كذا يكاتبونهم ويرسلون إليهم بصدقات أموالهم وألطاف من ألطاف بلادهم. فاخرج بكسى وألطاف وعين حتى تأتيهم متنكراً بكتاب عن أهل هذه القرية، ثم تسبر ناحيتهم. فإن كانوا قد نزعوا عن رأيهم فأحبب والله بهم وأقرب. وإن كانوا على رأيهم علمت ذلك وكنت على حذر. فاشخص حتى تلقى عبد الله بن حسين متقشفاً متخشعاً، فإن جهلك وهو فاعل، فاصبر وعاوده. فإن عاد فاصبر حتى يأنس بك، وتلين له ناحيته، فإن ظهر لك ما في قلبه فاعجل علي. . .) فشخص الرجل حتى قدم على عبد الله فلقيه بالكتاب فأنكره، ونهره. وقال ما أعرف هؤلاء القوم. فلم يزل ينصرف ويعود حتى قبل كتابه وألطافه، وأنس به. فسأله الجواب. فقال: أما الكتاب فإني لا أكتب لأحد، ولكن أنت كتابي إليهم، فأقرئهم السلام، وأخبرهم أن ابني خارجان لوقت كذا وكذا فعاد الجاسوس إلى أبي جعفر وأخبره.

وحدث صاحب عذاب أبي جعفر قال: دعاني أبو جعفر ذات يوم، وإذا بين يديه جارية صفراء، وقد دعا لها بأنواع العذاب، وهو يقول لها: ويلك أصدقيني، فوالله ما أريد إلا الألفة، ولئن صدقتني لأصلن الرحم، ولأتابعن البر إليه. وإذا هو يسألها عن محمد بن عبد الله، وهي تقول: ما أعرف مكانه. ودعا بالدهق وأمر به فوضع عليها. فلما كادت نفسها أن تتلف قال: أمسكوا عنها، وكره ما رأى. وقال لأصحاب العذاب: ما دواء مثلها إذا صار إلى مثل حالها؟ قالوا: الطيب تشمه، والماء البارد يصب على وجهها، وتسقى السويق. فأمر

<<  <  ج:
ص:  >  >>