فارق دنياه منذ قرون، وأسدلت السنون عليه وعلى قومه حجابا من النسيان، ومع ذلك فهو في دنيا الأدب حي مذكور لا يزال النقاد يحاسبونه على شعر قرضه، أو نثر كتبه، أو قصة حاك أطرافها، ولا يكتفون من ذلك بالمئات من المرات.
ومما يحاسب المرء عليه في دنيا الأدب عدا الإجادة في الفن أو التقصير فيه ما قد يرتكبه من سرقة لثمار العقول أو نتاج العواطف فينتحل لنفسه ما ليس له. غير أن الحساب على هذا الذنب ليس كما ينبغي له من العسر والشدة، وليس كما يتفق مع خطره من القسوة والقوة، وإنما هو مباح أو كالمباح حتى خشيت دنيانا هذه الإباحة من دنيا الأدب، وخافت على أهلها من دعاة الأدب أن يبيحوا فيها ما ليس إلى إباحته من سبيل، فأفسحت صدرها لمن يلجأ إليها من دنيا الأدب، شاكياً ما استحله الغير من ثمرات قريحته ووحي خاطره فحمته بتشريعها، وأحاطته بسياج من قانونها.
وفي دنيا الأدب من المفارقات العجيبة والسير الطريفة ما لا تتسع له الصحائف، فكيف يقوى كاتب على دنيا بأكملها يحصى ما بها ويعدد ما فيها.