للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الأسبانيات أو التسري بهن. ولقد كانت هذه الخطة ظاهرة النفع في عصور الدولة الأولى، بما أجرت في عروق العرب من دماء جديدة، وبما نشأت من جيل متميز في مواهبه جامع لمحاسن العنصرين في أخلاقه وتفكيره وجميع مقوماته. ولكن استحال كل هذا إلى مضرات بالغة في العصور المتأخرة، إذ تقلصت روح العصبية التي اشتدت حاجة العرب إليها حين كانت جحافل الأسبانيين تزحزحهم عن بلادهم حصناً بعد حصن، وفشت روح الاستهانة بوازع الدين، ولم يعد ثمة أثر لطموح المسلمين الأوائل، وشدة تحمسهم لرفع لواء عقيدتهم، بل حلت الأثرة والأطماع الشخصية محل كل هذا، واتخذت أقبال العرب وشعوبها لسيطرة ملوك الأسبان الذين هيمنوا بقوة نفوذهم على شئون شبه الجزيرة من أطرافها.

ويكفي أن نذكر أن أبا عبد الله محمداً آخر ملوك بني الأحمر والذي تم على يده تسليم غرناطة وإسدال الستار الأخير على مأساة الإسلام في الأندلس، كان أبناً لأمير غرناطة السابق أبي الحسن علي بن سعد الأحمر من محظيته الأسبانية إيزابلا التي عرفت بين العرب باسم (ثريا) أو (الزهرة). وكان أبو عبد الله هذا أثيراً لدى أبيه بفضل حظوة أمه المسيحية؛ وبسبب ذلك انشق أخواه محمد ويوسف على أبيهما، وكان كلاهما ابناً له من (عائشة) زوجته الثانية العربية المسلمة.

ولقد كان اختصام أبي عبد الله فيما بعد مع عمه أبي عبد الله الزغل، السبب المباشر في سقوط غرناطة وانثلال عرش آخر حكومة إسلامية في البلاد. . .

لقد كانت النية التي عقدها ملوك الأسبان على طرد العرب صريحة، وكان مصير المسلمين أمام هذا الزحف الجارف واضحاً ومحتوماً؛ ولم تكن نجدات المرابطين والموحدين التي تحركت من أفريقية في القرنين الحادي عشر والثاني عشر لتؤثر إلا في تعويق حلول المأساة التي كان الجميع يشهدونها بعين الخيال، ويرون أنفسهم مسوقين إليها دون أن يستطيعوا لها دفعا. حتى لقد كان لسان الدين بن الخطيب وزير الغني بالله محمد بن يوسف ابن الأحمر يوصي أولاده بعدم التوسع في شراء العقار بالأندلس؛ ويصرح لهم بأن هذه البلاد أصبحت للمسلمين دار غربة!

وأعجب من هذا في الدلالة على توقع المسلمين لمصيرهم المحتوم، ما قاله بعض شعرائهم إذ ذاك. . . وكأنما كان يوحي إليه:

<<  <  ج:
ص:  >  >>