أساء قوم من المسلمين فهم هذا التسامح الديني الذي أمروا به وانتدبوا إليه، وأعمتهم بوارق الحياة ورغائب العيش عن تعرف حدوده، وتبين أغراضه ومراميه؛ وشوهت شهوات الدنيا لديهم من صورته الجميلة المشرقة؛ ونكبت به ضلالات النفوس عن طريق الحق ومناهجه المستقيم.
فلم يكن عجيباً بعد ذلك أن نرى عما للحكم بن هشام ينهض إلى عاصمة إكس لاشابل عاصمة شارلمان فيستجدي محالفته في خنوع، ويتلمس منه المعونة على إسقاط ابن أخيه القائم بالأمر، وكان ذلك علم ٧٩٧م أي قبل مرور قرن واحد على دخول العرب الأندلس. ولم يكن عجيباً أيضاً أن نرى المستعين حفيد الناصر (١٠٠٩م) يرسل إلى بلاط سانكو أمير قشتالة ليعينه ضد منافسه المهدي وهو من أحفاد الناصر أيضاً؛ فيجد رسل المهدي قد سبقوه إلى طلب هذه المعونة من الأمير. . . والأمير يمايل بين الرجلين ويعرضها على مرآة مطامعه؛ ثم ينتهي إلى رفض معونة المهدي والإقبال على نصرة المستعين. . . إلى أمثلة من مثل ذلك كثيرة نحيل فيها إلى مظانها من مصادر التاريخ.
ولقد أحسن ملوك أسبانيا هذه الفرص السوانح، فزادوا نار الفتن بين المسلمين استعاراً، وأذاقوا بعضهم بأس بعض؛ وراحوا يقتصون من أطراف بلادهم ويفرضون الجزية على المستضعفين منهم، استغراقاً لثروتهم، وغلا لأيديهم عن كل ما يمهد لهم سبيل القوة. وأخيراً أعلنوا ضد الجميع حرباً صليبية لا هوادة فيها. . . في وقت كان المسلمون فيه قد فقدوا صفاتهم الأولى من التخشن وسمو المبدأ، والتحمس للدفاع، وشدة الرغبة في الجهاد. فكان تخاذلهم عن صيانة ملكهم عظيما، وتهافت ملوكهم المتنابذين على استرضاء ملوك النصارى المتربصين بهم بالغاً غايته. حتى لقد كان من مخزيات ما حدث في أواخر القرن الحادي عشر أن اكتسح الملك الفونس السادس أقاليم الأندلس إلى أن بلغ جبل طارق ثم احتل طليطلة عام ١٠٨٥م، فبادر ملوك الطوائف بتقديم فروض التهنئة إليه! وأسبغوا عليه أو قبلوا أن يسبغ على نفسه لقب (ملك المسيحيين والمسلمين)!!
وما نشك في أن هذا الفتور الذي أصاب نفسية العرب يرجع - فيها يرجع إليه من أسباب - إلى كثرة عناصر المولدين والهجناء في أوساطهم، منذ درجوا على خطة التزوج من