تقوم بجميعها وذلك إما أنك عدلت عن قصدك أو حلا أحد دون قيامك بها. فما يهم الاجتماع ونفسك من رغباتك الجمة التي تفوق أعمالك هو أن تكون حسنة مثل أعمالك. ولا تقدر القوانين ولا التقاليد الاجتماعية على ضبطها ضبطاً صحيحاً لأنهما يختصان بالمظاهر الخارجية أي للأعمال الصادرة عن رغباتك، وعواطفك، وميولك الباطنية. فما يقدر على ذلك إلا الدين الحق مثل الإسلام الذي يحاسب على الرغبات التي تتحول إلى الأعمال حساباً كبيراً، ويسعى في قتل الرغبات السيئة في مهدها أي قبل أن تتحول إلى الأعمال.
وعلى هذا فكل دين يقدر على أن يخلق في الإنسان أحسن الدواعي للسير الحسن، ويسعى في إبادة الرغبات السيئة بكيفية مؤثرة فعالة لا بد من أن يوافق الأفكار الحسنة المعترف بها في العصر عند العلم والفن. وذلك الدين عندي هو الإسلام.
وأما موافقة الإسلام للأفكار العصرية فيكفي أن أمثل لك مثالا واحداً فإن المجال والوقت لا يسمحان لأكثر من ذلك وهو أن الإسلام أدعى في أول آية من سورة الفاتحة التي تحفظها أن هناك عوالم أخرى غير هذا العالم بقوله تعالى:(الحمد لله رب العالمين) ولا تزال هناك بعض الأديان تدعي أن لا وجود لعالم آخر غير عالمنا هذا، ولكن العلم في العصر الحاضر يدحض مثل تلك الدعاوى ويثبت وجود عوالم أخرى غير هذا العالم كما ذهب إليه الإسلام، ويقدم لنا الدلائل لليقين على أن كل نجمة تتلألأ فوق رؤوسنا في القبة الزرقاء حين يرخى الليل رواقه ويسبل ستره عالم معمور مثل عالمنا.
إن للدراية والخبرة عند الإسلام مصدرين: العلم والإلهام. فالأول يعبر عن جد الإنسان لمعرفة طرق الحق المستقيمة. والثاني يمثل نعمة الله بكشف سبله السوية للإنسان. فالفرق بين المصدرين فيما أرى الفرق بين التجربة والوجدان، أو بين الأفكار المكتسبة والأفكار الغزيرة. وهو ما يعتبره فلاسفة العصر الحاضر أيضاً مثل سبنسر وبرجسون أنه فرق في الكم لا في النوع. والله يلهم كل فرد في لحظة من حياته، بيد أنه يتوقف على الأكثر على الروحانية أو المقدرة الروحانية الناشئة عن مدى معرفته لله ولسبله السوية , ٍوتلك المقدرة يرث الإنسان شيئاً منها عن آبائه وأجداده يكسب شيئاً آخر بالإيمان والإخلاص وبالأعمال الصالحة والسير الحسن.