حدث أن كان طفل جالسا مع أمه يستمع فقال:(أمي. إني أظن أني أفهم إذا سكت هذا عن الشرح).
قد يكون هذا قانونا بلا استثناء. أي أن تبطل الشروح ما دامت لا تزيد في المتعة والسرور بالكشف عن الجمال الفني. فالطفل يستطيع أن يتبين الجمال في أغاني شوقي مثلا دون أن يعرف شيئاً عن شوقي؛ فإن أساس المتعة هو الموسيقى، فمن السخرية أن نحاول أن نلقي على الأطفال شروحاً عن حياة الشاعر قبل أن يتعلموا كيف يحبون الشاعر ويحبون شعره.
كيف يلذ للطفل أن يعرف أن حافظ إبراهيم ولد في القاهرة ثم تعلم الجندية ثم ذهب إلى السودان. . . قبل أن يقرأ أو يسمع أشعاره. أقول يسمع إذا ليس من الضروري أن يقرأ الطفل الشعر ليقف على جماله. فقد يسمع القصيدة وهو يجهل معانيها بل يجهل ألفاظها جهلا تاما. ومع ذلك تراه يطرب ويحزن تبعا لموسيقاه: ولقد قرأت مرة أن أحد الأساتذة الإنجليز جمع حوله بضعة أطفال ثم أخذ ينشد لهم شيئا من شعر هوميروس الحماسي باللغة الإغريقية فما لبث أن رأى الأطفال يهتزون ويطربون وينسجمون فسألهم عن معنى القصيدة فقالوا إنها وصف لمعركة؛ ثم قرأ عليهم قصيدة أخرى فظهر عليهم الوجوم والحزن فلما سألهم عما فهموا قالوا إنها رثاء لقتيل.
فإذا كان هذا مبلغ تأثير الموسيقى في الطفل الذي يجهل اللغة تماماً فأحرى بمدرسينا أن يتركوا أطفالهم يتمتعون بجمال الموسيقى وأن يفهموهم الشعر كصورة للمتعة والجمال.