للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

معاهدة بينها وبين مراكش. ثم رددت جوانب القصر الملكي في فاس أن سفير فرنسا مسيو (رينو) يتردد على جلالة السلطان مولاي عبد الحفيظ، وأنه يعرض عليه مشروع معاهدة الحماية، وأن جلالته قد وقع تحت ضغط دبلوماسي وعسكري وتحت تهديدات السفير الفرنسي، ومع ذلك فهو يمانع بل يعلن للسفير أنه سيتنازل عن العرش إذا هو أجبره على إمضاء المعاهدة. ويشرق يوم ٣٠ مارس فإذا بفرنسا تعلن أن جلالته قد وقع عقد الحماية، وأنه بمقتضاها قد أباح للجنود الفرنسيين أن يحتلوا مراكش كلها حتى يستطيعوا أن يؤدوا واجبهم كاملا في تنفيذ الإصلاحات التي نص عليها في المعاهدة. وتمر بضعة شهور فإذا بجلالة السلطان يعلن لأمته أنه لم يستطع أن يؤدي واجبه في المحافظة على استقلال البلاد التي أقسم اليمين عند توليته على المحافظة عليه، وأنه لذلك يتنازل عن العرش ويترك الأمر للأمة لتختار من يخلفه على عرش أجداده.

وهنا تنتهي مأساة فرض معاهدة الحماية لتبتدئ مأساة تنفيذ هذه المعاهدة. وتجند فرنسا جيشا من الموظفين الاستعماريين الفرنسيين وعلى رأسهم المارشال ليوطي ليقوموا بحكم مراكش حكما مباشرا، وليسلبوا الحكومة المراكشية كل ما أبقت لها المعاهدة من سلطة فيديروا شئون البلاد ويتركوا هيئة الحكومة في سبات عميق، بعد ما كانت هيئة حكومية منظمة تنظيما ديمقراطيا تشرف على إدارة مراكش وتسير بالبلاد نحو التقدم المادي والمعنوي تحت رياسة جلالة السلطان. ويبدأ الفرنسيون في تنظيم حركة استعمارية، فيكونون داخل مراكش مجالس استشارية للفرنسيين يرأسها المقيم العام. ويقوم هؤلاء الفرنسيون بوضع برامج الإدارة والإصلاح في مراكش وينفذونها هم بأنفسهم وبذلك يكون الفرنسيون مصدر السلطة التشريعية والتنفيذية. وهكذا يحكمون مراكش دون أن يشركوا أهل البلاد الشرعيين في أي عمل يتصل بالتشريع والإدارة وبذلك يكونون حكومة دكتاتورية باسم الحماية.

هذه السلطة التي اغتصبها الفرنسيون هي التي مكنتهم من حكم البلاد حكما استعماريا متطرفا يقوم على سلب الأراضي من الفلاحين المراكشيين بدعوى المصلحة العامة، وإعطائها الفرنسيين الذين يهاجرون من بلادهم ليضعوا لأمتهم نقطة ارتكاز في الأرض الجديدة (مراكش).

<<  <  ج:
ص:  >  >>