للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أكلم علبة من حديد ربع ساعة لا تنقص ثانية ولا تزيد!

فلنستعن بالله، ولنتحدث. . .

ولكن خبروني أولاً: هل تسمعون كلامي حقيقة؟!

أما أنا فلا أصدق أنكم تسمعون مني، وكيف يسمع من هو في المهاجرين وحمص وحلب والقاهرة وطهران ما لا يسمعه هذا الأخ الجالس أمامي وراء الزجاج، والذي يبدو عليه أنه لا يدري ماذا أقول، فلا يبتسم، ولا يعبس، ولا يفتح عينيه، ولا يرفع حاجبيه، ولا يصنع شيئاً يدل على أنه سامع، وهذا من نعم الله على، فلو سمعني أتكلم عنه لما نجوت منه بسلام!

فإذا كنتم تسمعون (يا سادة) كلامي، فأشيروا إلي، أو صفقوا، أو قربوا أفواهكم من (الرادّ) وصيحوا - إني انتظرت فلم أسمع صيحتكم، فلم يبق إلا أن أصنع كما صنع زميلنا المحترم (جحا)، حين أذن ونزول من المنارة يعدو، قالوا: إلى أين يا جحا؟ قال: أريد أن الحق صوتي فأنظر إلى أين وصل؟

ولنفرض أنكم سامعون، فعم أحدثكم؟ ومن لي بالحديث الذي يرضيكم جميعاً: العالم منكم وغير العالم، والرجل والمرأة، والكبير والصغير، وأي معلم يستطيع أن يلقي درساً واحداً يفهمه تلميذ المدرسة الأولية وطالب الجامعة ومن بينهما ويرضون عنه ويعجبون به.

لقد فكرت طويلاٌ، وحشدت قوى نفسي كلها، وما تعلمت من علم وما حفظت من مسائل، لآتيكم بحديث يدهشكم حتى تقولوا: ما شاء الله كان! ما هذه المحاضرة؟ شيء عظيم جداً، ولكني لم أستقر على موضوع. . .

قلت: الدنيا الآن في رمضان، وخير الأحاديث حديث الدين، وما أسهل الكلام في الدين هذه الأيام وما أيسر أن يجعل المرء نفسه مجتهداً، وأن يرى الرأي المخالف لأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل والليث بن سعد والأوزاعي، وكل مجتهدي الأرض فيتمسك به ويخطئ المخالفين له: من كان منهم ومن سيكون إلى يوم القيامة. ولم لا؟ إنه رجل وهم رجال، والساعاتي والنجار والموسيقي رجال أيضاً، فلماذا لا يكونون أئمة مجتهدين، ما دام العلم بالعربية نحوها وصرفها وبلاغتها، والفقه أصوله وفروعه، والتفسير والحديث ليس شرطاً في الاجتهاد؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>