يركب. قال: وأي وقت نام البارحة؟ قالوا: وقتَ كذا. فلما رأيتُه يسأل عن هذا خّمدتُ أنه صاحب خبر، فأصغيتُ إليه، ولم أرهم يحفلون بأمره. وهو لم يدع بواباً ممن وصل إلى الوزير وممن لم يصل إلا سأله عنه، وكان يبدأه بأحاديث أخر على سبيل الفضول، ثم زحف فدخل إلى جنب أصحاب الستور، فأخذ معهم في مثل ذلك، وأخذوا معه في مثله. ثم زحف فدخل إلى دار العامة. فقلتُ لأصحاب الستور: من هذا؟ قالوا: رجل زمنٌ فقير أبله طيب النفس، يدخل الدار، ويتطايب، فيَهب له الغلمان والمتصرفون. فتبعته إلى أن دخل المطبخ فسأل عما أكل الوزير، ومنْ كان معه على المائدة، وفي أي شيء أفاضوا، والطباخ وغلمان صاحب المائدة كلُّ واحد يخبره بشيء، ثم خرج يزحف حتى دخل حجره الشراب، فلم يزل يبحث عن كلُّ شيء، ثم خرج إلى خزانة الكسوة، فكانت حالته وصورته هذه. ثم جاء إلى مجلس الكتاب في الديوان، فأقبل يسمع ما يجري، ويسأل الصبي بعد الصبي، والحدث بعد الحدث. عن الشيء بعد الشيء، ويخلط الجد بالمزاح والتطايب بكلامه والأخبار تنجر إليه، وتتساقط عليه، والقطع تجيئه وهو يملأ تلك المخلاة، فلما فرغ من هذا أقبل راجعاً. فلما بلغ الباب تبعتُه، فرجع حتى جاء إلى موضع من الخلد فدخل إليه، فوقفت أنتظره، فإذا هو بعد ساعة قد خرج بثياب حِسانٍ ماشياً. . . فتبعتُه حتى جاء إلى دارٍ قرب دار الخادم الموكل بحفظ دار ابن طاهر فدخلها، فسألت عنها، فقالوا: هذه دار فلان الهاشمي، رجل متجمل. فرصدته إلى وقت المغرب، فجاء خادم من دار أبن طاهر فدق الباب، فكلمه من خوخة له، فصاح به، ورمى إليه برقعة لطيفة، فأخذها الخادم وانصرف. فبكرت من سحر إلى الدار التي في الخلد، ومعي غلمان، فإذا أنا بالرجل قد جاء بزيه الذي دخل به داره، فكبسته في الموضع، فإذا هو قد نزع تلك الثياب ولبس ثياب المكدين التي رأيتها عليه أولاً، فحملته وغطيت وجهه وكتمتُ أمره حتى أدخله دار القاسم ودخلت إليه وقصصت عليه الخبر. فاستدعاه وقال: لتصدقني عن أمرك أو لا ترى ضوء الدنيا ولا تخرج من هذه الحجرة. قال: تؤمنني؟ قال: أنت آمن. فنهض وقال:
(أنا فلان بن فلان الهاشمي، رجل متجمل، وأنا أتخبر عليك للمعتضد منذ كذا. . . ويجري علّى المعتضد خمسين ديناراً في الشهر، أخرج كلُّ يوم بالزي الذي لا ينكر جيراني، فأدخل داراً في الخلد بيدي منها بيت بأجرة، فيظن أهلها أني منهم، ولا ينكرونني لزيي، فأخرج