للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

هناك بهذه الثياب وأتزامن من الموضع، وألبس لحية فوق لحيتي مخالف للوني، حتى لا يعرفني من يلقاني في الطريق، وأمشي زحفاً إلى دارك، فأعمل جميع ما عرفت، وأقتفي أخبارك من غلمانك، وهم لا يعرفون غرضي، وُيخرجون لي بالاسترسال ما لو بذل لهم فيه من الأموال الكثير لم يُظهروه، ثم أخرج إلى موضع من الخلد فأغير ثيابي، وأعطى ما اجتمع معي في المخلاة للمكدين، وألبس ثيابي الحسان، وأعود إلى منزلي، فإذا كان المساء جاءني خادم من خدم ابن طاهر مندوب لهذا، فأرمي إليه برقعة فيه خبر ذلك اليوم ولا أفتح له باباً، فإذا كان آخر الشهر جاءني فأعطيته الرقعة ويعطيني الجائزة. . .!)

قال صاحب الخبر: فحبسه القاسم أياماً فحسبه أهله أنه مات، فأقاموا عليه المآتم، فدخل القاسم على المعتضد فقال له: إبراهيم الهاشمي التزامي، بحياتي أطلْقه وأحسن إليه. . وأنت آمن من بعدها من أن أنصب عليك صاحب خبر

فتركه القاسم، وانقطعت أخباره عن المعتضد

فهذه قصة رائعة طريفة تدلك على مبلغ حب المعتضد تسقط الأخبار، ومبلغ مهارة أهل ذلك العصر في الحيلة والبراعة في التجسس، وهي قصة لا تحتاج إلى تعليق، فما قرأت في بابها في كتبنا القديمة أشوق منها ولا أحلى

ومن هذه القصة، ومن الأخبار التي سردتها لك في العدد الماضي - من قبل - ترى ما كان للتجسس من شأن عند الخلفاء العباسيين. أما عناية الوزراء بالتجسس وتحسس الأخبار، فسأبينه في مقال آت.

جديتا (لبنان)

صلاح الدين المنجد

<<  <  ج:
ص:  >  >>