للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فاضت بين جوانحي. . . فرحت أرضهما مع طفلي. . . وقد كنت لبانة يتفجر اللبن من ثديي في فيض لا ينقطع، وكان الله يأتيني برزق هاتين الطفلتين. . . فترعرعتا على حين توفى الله طفلي الوحيد، قبل أن يبلغ السنتين. . . وقد أقبلت علينا الدنيا بعد انصرافها عنا. . . فزاد حبي لهما وحناني عليهما. . .

أفعلمتم الآن سبب ذلك الحب؟! إنهما سعادتي في هذه الحياة، وأملي في هذه الدنيا. . .!) وضمت (السيدة) الطفلة العرجاء إلى صدرها بإحدى يديها، بينما ارتفعت يدها الأخرى لتمسح دمعة حارة تحدرت على خدها فتنهدت (مترونا). . . وقالت في صوت عميق وجرس ندي: (صدق من قال) يعيش المرؤ بغير والديه! ولكن لا يعيش بغير الله. . .!)

وران الصمت عليهم. . .! وفجأة انبثق في الكوخ نور باهر كأنه وميض البرق في ظلمات الشتاء. . . وشع الضوء من ذلك الركن الذي يجلس فيه (ميشيل). . . فالتقت عنده أبصارهم. وهو على كرسيه يحدق في سماء الغرفة. وقد افتر ثغره من ابتسامة حلوة. . . أشرقت في وجهة وأضاءت على جبينه. . .

فلما تهيأت المرأة للذهاب. حيتهم. . . وأمسكت بطفلتيها. ومضت بهما. . . فنهض (ميشيل) من جلسته. . . ووضع ما كان بيده وخلع عنه مئزره. . . ثم انحنى لسيمون وزوجته (مترونا) وقال في صوت شكور (وداعاً. . . أيها السادة. . . لقد عفى الله عني. . .! وغفر لي ذنبي. . .)

وراح ميشيل يتألق في ضياء تنبعث من هالة حوله. . . فانحنى سيمون وقال في صوت ملؤه العجب (لقد حدست إنك لست ببشر يا ميشيل. . . ولن أثقل عليك بتساؤلي. . . ولكن آمل أن تخبرني: لماذا تألق وجهك حينما عثرت عليك في الطريق عريان جائعاً؟! ولماذا ابتسمت إلى زوجتي تلك الابتسامة الوضيئة حينما قدمت إليك الطعام؟! وحينما دخل ذلك (السيد الجليل) كوخنا، لنصنع له حذاء إفتر ثغرك عن بسمة مثيلة بها؟. وأخيراً حينما أتت هذه السيدة مع هاتين الطفلتين تألق وجهك بابتسامة ثالثة في جلال وبهاء. . .

نشدتك الله يا ميشيل أن تطلعني على سر ذلك الإشراق، وعلة هذه الابتسامات الثلاث؟!!). . .

قال ميشيل في صوت هادئ رخيم (لقد انبثق الضوء عني وأشرق النور مني لأن الله

<<  <  ج:
ص:  >  >>