الخطابة في تقديسها، ثم عمدوا إلى فئة من خطباء المساجد حاموا عن الفضيلة، فساقوهم إلى المحاكم سوق المجرمين، وأدخلوهم السجون، وجرعوهم كؤوس المهانة، حتى صار من يذكر السفور بسوء، أو يدعو إلى الفضيلة والستر كمن يدعو إلى الخيانة العظمى، وصار النساء إذا رأين شيخاً في الطريق شتَمْنَه وسخرن منه، وتوارى أنصار الفضيلة من وجه هذه العاصفة الفاجرة الهوجاء، وهم جمهرة أهل الشام وعلماؤهم وأفاضلهم وعقلاؤهم، وحسب أولئك أن الظفر قد تم لهم، وأن أهل الدين قد انكسروا كسرة لا تجبر، فكشفوا القناع وانطلقوا يسرحون وحدهم في الساحة ويمرحون. . . وكانت النتيجة أن تحطم السدّ فطغى سيل الرذيلة وعم، وامتد في هاتين السنتين أضعاف ما أيام حكم الفرنسيين الذين هم أفسق الناس، وهذه حقيقة نثبتها بأسف وخجل. . . وكانت النتيجة أن ازدادت جرائم التعدي على العفاف واستفحلت حتى رأت المحاكم من يعتدي على عفاف بنته وأخته، ومن يفجر بطفل رضيع، وما يصنع هذا الوحش الذي أثارت (الحرية الشخصية) غرائزه فلم يجد إلا البنت والأخت أو الطفل الرضيع؟ وكانت النتيجة أن دمشق التي تستر بالملاءة البنت من سنتها العاشرة شهدت يوم الجلاء، بنات في السادسة عشرة وما فوقها يمشين في العرض بادية أفخاذهن، ترتج نهودهن في صدورهن، تكاد تأكلهن النظرات الفاسقة. . . وشهدت بنتاً جميلة زينت بأبهى الحلل، وألبست لباس عروس، وركبت السيارة وسط الشباب - قالوا: إنها رمز الوحدة العربية. . . ولم يدر الذين رمزوا هذا الرمز إن العروبة إنما هي في تقديس الأعراض لا في امتهانها، ومشى الموكب أمام الناس وفيهم والد هذه البنت لا يستحي ولا يخجل، وأخرى قالوا أنها رمز سورية الأسيرة قد فكت قيودها. . . وأمثال هذا الهذيان الذي لا معنى له إلا استغلال العيد الوطني في هدم أركان الفضيلة وتمزيق حجابها. . . وأخذت صور هذا كله فنشرت في الجرائد وعرضت في السينمات، ثم ازدادت جرأة الناس على نقض عرى الأخلاق حتى رأينا صور ممثلينا السياسيين مع نسائهم على (بلاج) الإسكندرية منشورة في إحدى مجلات مصر التي لا تدع فرصة فيها تشير بنا وفضح لنقائصنا إلا استغلها، ثم ازدادت الجرأة حتى صارت مجلات دمشق تنشر صور العرايا فيشتريها الشباب لهذه الصور، لأنه ليس فيها ما تُشترى له، ثم امتد الشر حتى رأينا وزارة المعارف تعمل من الطالبات كشافات يمشين في الطرق بمثل لباس