والإغريقية، وأن يطالعوا بعد ذلك بعض الكتب الإغريقية السهلة؛ ويجب أن يتخلل هذه الفترة من دراستهم محاضرات تذكى في أنفسهم حب العلم والفضيلة، ومتى اكتمل شعورهم بأداء الواجب (صعدوا في سفح المعرفة غير معجلين ولا وانين)؛ وعليهم أن يتقنوا دراسة الكتب الإغريقية واللاتينية في كلُّ فروع العلم، ولتخصص ساعة للسان العبري، ولكيلا يسأموا ينبغي أن يعلموا المصارعة والملاكمة وإضرابهما من فنون الرياضة، وأن يقلدوا بعض المعارك ليفهموا أساليب القتال، وأن يسمعوا الموسيقى لتنعشهم وتهذب نفوسهم. . .
وواضح من منهاجه هذا أنه يقيس على نفسه فيقترح هذا العبء الثقيل للتلاميذ، لأنه نهض بما هو أثقل منه في غير عناء، وكأنما تأبى عليه شدة ذهابه بنفسه إلا أن يجعل من كلُّ ما يعمل وما يرى من رأى مثالا ينبغي أن يحتذيه الغير. . . وهو في منهاجه كذلك يخرج على البيوريتانز، إذ يوجب تعلم الإغريقية واللاتينية وشتى فنون المعرفة. . .
وألقى ملتن قلمه منذ أوائل سنة ١٦٤٥، وظل يترقب في هدوء أبناء الحرب الأهلية التي مالت معركة نسبي بكفتها نحو أعداء الملك في يونيو من تلك السنة، وكانت آثار الجهد بادية عليه لفرط ما جادل وناضل منذ أن ألقى بقيثارته على رغمه وشرع قلمه في سنة١٦٤١ ليبدأ حربه على قساوسة، ولكنه استشعر بعض الغراء في عودة زوجته إليه بعد معركة نسبي بقليل. . .
وكان منزله الجديد في حي باربيكان الذي استأجره بعد عودة زوجته يكاد على سعته يضيق بمن فيه، لذلك كانت المعيشة فيه ينقصها الراحة والهدوء، الأمر الذي ضاق به صدره أحياناً، ففيه لا يزال يتلقى العلم على ملتن عدد من أبناء أصحابه لا تخفت أصواتهم في أكثر ساعات النهار، وفيه يقيم ابنا أخته، ويقيم معه كذلك في منزله أبوه وهو اليوم شيخ كبير، كما حضر ليقيم معه مستر بوول وزوجته ونفر من أسرتهما سنة١٦٤٦ بعد أن سقطت اكسفورد وفورست هل في يد أنصار البرلمان. وجاء ليعيش أخوه كرستوفر على مقربة منه، وكان لا ينفك يضايق ملتن بعسره وبمشكلاته القضائية التي جائت في وقت واحد مع مثيلاتها من مشكلات آل بوول. . .
ولم يعدم الأدب نصيراً في تلك السنين العاصفة، وكان هذا النصير هو ناشر يدعى موزلي على جانب ملحوظ من الثقافة، وكان مما نشره موزلي في خريف سنة ١٦٤٥ كتاب كتب