للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

على غلافه: (قصائد مستر جون ملتن الإنجليزية واللاتينية، نظمها في أوقات متفرقة).

وكان هذا الكتاب ينتظم شعر ملتن كله من أول عهده بالقريض حتى ذلك اليوم؛ وفي الصفحة الأولى أثبت ملتن عبارة مقتبسة من فرجيل مؤداها أن للشعر هواه ومتجهة لا للكتيبات، وأنه لا يحب أن يعرف بشيء إلا بالشعر، وأثبت كذلك في تصدير ديوانه ما تسني لشعره من تقريظ الأجانب إياه وثنائهم على صاحبه!

ولا ريب أن خصومه من المتزمتين قد وقعوا كما صورت لهم عقولهم ونوازعهم على أكثر من غميزة في هذا الشعر الذي يزخر بصور الجمال والفتنة وخرافات الإغريق والرومان، وفي تلك الأغنيات التي لحنها على أوتاره الملحن (لو) الذي ينتمي إلى حزب الملك، وأنهم لذلك تغامزوا فيما بينهم ونعتوا باللاتينية أو ما يقرب منها ذلك الشاعر، وسخروا من ذلك الذي طالت بإباحة الطلاق، وثار على الرقابة وخاصم البرسبتبريز، فما يطلب في رأيهم إلا الإباحية وإن زعم أنه يدافع عن الحرية. . .

ولكن كثيراً من المثقفين تقبلوه بقبول حسن، وأشربوا في قلوبهم محبته، ومن هؤلاء صديق له مرموق المكانة في الأدب والثقافة هو الدكتور روس الذي كتب إليه يسأله نسخة ثانية من كتابه، فأرسلها إليه الشاعر مشفوعة بمقطوعة يثني فيها على هذا الصديق ويتواضع على غير عادته إذ يشير إلى مبلغه من الشعر في صدر شبابه، ويحن إلى تلك الأيام التي أقبل فيها على النظم أول ما أقبل حين كان حدثاً لا تكاد تبلغ الأرض قدماه إذ يكتب، ويأسف إذ يرى اليوم ربات الشعر تروعها الحرب القائمة وتطيرها. . .

والحق أن للمرء عذره بادئ إذ أحس التناقض بين أن يكون ملتن بيوريتانياً، وأن ينطق لسانه بهذا الشعر، ويفيض قلبه بهذا الإحساس الغامر بالحياة ومسراتها ولذاذاتها وكل جميل فيها، ولكنه لا يكاد يتذكر مولده بين ربيع الأليزا ببيثين وصيف البيوريتانز حتى يدرك ما ذكرناه عنه من قبل أنه كالطائر المتخلف الذي يغني في هجير الصيف ألحان الربيع.

ولقد أشار مكولي إلى هذه الناحية من حياة ملتن فجاء بوصف بديع يحملنا لفرط قوته على أن نثبته هنا غير منقوص. قال بعد أن تحدث عن الملكيين والبيوريتانز (لم يكُ ملتن منتمياً بمعنى الانتماء الحق إلى طائفة مما ذكرنا، فلم يكُ بيوريتانيا ولا من ذوى التفكير المطلق من قيود الدين ولا ملكياً، فقد اجتمعت في أخلاقه وائتلفت من صفات كلُّ طائفة أكثرها

<<  <  ج:
ص:  >  >>