للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

في الكتب السريانية فاقتبسوها دون أن يعترضها لها بما يستحق الذكر من النقد، لأن العرب قد اثبت أن لا قابلية له على استقصاء البحث بصورة جدية، وأن لا قدرة له البتة على إبداع شيء من عنده، ولم يتقن العرب من العلوم إلا التي لا تحتاج إلى عناء في التفكير، أو مشقة في البحث، وكانت سبيلها جد سهلة وميسورة كالتاريخ والجغرافيا وما إليهما الخ. . .) وأمثال (سرفيه) في التشيع والتعرض كثيرون، وتكاد رفوف المكاتب تنوء بتحمل مثل هذه البحوث السخيفة والحملات الطائشة، ومن المؤلم حقاً أن نسكت عنها، وننام عليها كأنها حقائق واقعة لا غبار عليها.

على أن تهاوننا في دراسة حضارتنا ونشر فضائلها وعرض روائعها للعيان، لأشد إجحافاً بحقها، وضررا لها من حملات الأعداء عليها وطعنهم بها، فاللص لا يقتحم غير البيت المهجور ومن واجب صاحب البيت أن يعمل على صيانة بيته، وأن يقيه شر العدو. وإننا سنتقدم في هذا البحث الموجز بإماطة اللثام عن مواطن العبقرية في حضارتنا، ثم نأخذ بتفنيد مطاعن الطاعنين فيها بالطريق الهادئة التي رسمناها لأنفسنا منذ أن اضطلعنا بعبء دحض مفتريات الخصوم وحملات المتحاملين.

انحلال الحضارة الغربية قبيل الإسلام:

تسرب الضعف والوهن إلى قلب الإمبراطورية الرومانية العظيمة رويداً رويداً، وما كاد يتم القرن الخامس للميلاد حتى لفظت هذه الإمبراطورية الواسعة أنفاسها، وأصبحت رقعتها نهباً مباحاً للقبائل البربرية التي كانت تحيط بها، وتناجزها القتال، وتشن الغارة عليها بين الفينة والأخرى، وهكذا أصبحت قبائل القوط والوندال. والكلت والهون، والمغول، والسكسونيين تتصرف بشؤون أعظم إمبراطورية عرفها التاريخ، وكانت هذه القبائل في الدرك الأسفل من الثقافة، لاحظ لها قط من أسباب المدينة والعمران، فقوضت بهمجيتها سرادق تلك الحضارة الرومانية العريقة، وأصبحت معالمها نسياً منسياً، واجتازت أوربا هبة من الزمن كانت تتخبط فيها في دياجير الانحطاط على غير هدى، فساد الجهل، وانتشرت الفوضى ومنيت العقول بالعقم والجدب، وشل التفكير شلا مريعاً، ولئن كانت المسيحية إذ ذاك في عهد انتشارها وازدهارها، وفي شباب قوتها بحيث استطاعت أن تصمد أمام هذه القبائل المتبربرة المتوحشة، إلا أن نكبة المدنية بها لم تكن أهون من نكبتها

<<  <  ج:
ص:  >  >>