وحثه على طلبه أن قال (أنا مدينة العلم وعلي بابها).
مبدأ الحضارة الإسلامية:
لقد أعلن الله رسالته، فأقبل الناس يدينون بها أفواجاً أفواجاً، ثم مات النبي صلى الله عليه وسلام، وليس في الجزيرة بأسرها إلا توحيد فلج الشرك، وإيمان زعزع الأصنام، فتوجه خلفاؤه الصالحون من بعده برسالته صوب بقية أقطار العالم الأخرى، ينشرونها بين شعوبها المتفككة، فيتسابق الناس للاحتماء بها هرباً من عسف تلك الدولة الغاشمة التي كانت ترزح لسلطانها، وتئن تحت نيرها، وما هي إلا عشرات من السنين إلا وشريعة ذلك اليتيم المسكين هي الشريعة السائدة في الكون والسيطرة على العالم، إلا صوت التهليل والتكبير قد أخذ يدوي في أرجاء إسبانيا من على سطوح الكنائس التي كانت فيها مضى مركزاً للمرضى، وبؤرة للأوباء، وكان أول ما فرضه المسلمون على العالم إلى جانب ديانتهم هي لغتهم العربية، التي بها لا بغيرها نزلت رسالة الله على نبيه، فقد أملوها على جميع الأمم التي رضخت لسلطانهم وخضعت لدولتهم، وقد بلغ من سعة امتدادها، وسرعة انتشارها أن أصبحت بين العالم في مكان اللغة اللاتينية القديمة، أي لغة العلم الوحيدة ولسان المتعلمين، وبلغ من تفوقها أيضاً أن صارت هي الواسطة الوحيدة لكل من أراد أن يلم بنواحي الثقافتين اليونانية والرومانية، أو يطلع على أحدث العلوم والآراء العصرية.
العربية لغة عالمية:
جاء في تاريخ اللغات السامية لرينان: (ليس في تاريخ العالم ما هو أدعى إلى التعجب من سرعة انتشار اللغة العربية، فقد كانت في بدء أمرها لغة خاملة الذكر، فإذا بها تظهر فجأة على مسرح الحضارة والمدينة وارثة للغة اللاتينية القديمة، وإذا بها لغة في غاية السلاسة والغنى، كاملة بحيث لم تعرف منذ ذلك العهد أي تغيير أو تعديل. وقد ظهرت لأول مرة أمرها تامة مستحكمة، فليس لها طفولة: ولا هرم. ولست أعلم هل وقع مثل ذلك لأية لغة أخرى في العالم دون أن تجتاز قبل ذلك أدواراً مختلفة، فإن العربية ولا شك قد عمت أكبر أجزاء المعمورة، ولم ينازعها في مكانتها من حيث كونها لغة عامة عالية إلا لغتان: اللاتينية واليونانية. ومع ذلك فقد تطرقت إلى أقطار نائية ولم تصل إليها هاتان اللغتان