للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وصف شكسبير (لقلب النمر الملتف بجلد المرأة) الوارد في الجزء الثالث من مسرحية هنري السادس التي كانت تعرف قبلاً (بمأساة ريتشارد أوف يورك) ثم في لفظة (شيك سين) إشارة واضحة إلى أسم شكسبير، ذلك لما بين الكلمتين من تشابه لفظي ظاهر. أو قد يكون المقصود بذلك، ومعنى (شيك سين): (يحرك المنظر، أو يغير المشهد)، غمزُ الشاعر من طرف خفي ونقده بأسلوب رقيق هادئ لرجوعه إلى النسخة الأولى من (هنري السادس) وهي من تأليف جرين وصحبه، وإخراجه نسخة جديدة من تلك الأصلية القديمة.

ومن قول جرين هذا نخرج بثلاث حقائق راهنة: -

الأولى: إن شكسبير كان ممثلاً وكاتباً مسرحياً بعيد الصيت، فلا عجب أن ملأ نفوس الأدباء المعاصرين بالحسد والحقد والضغينة والمقت الشديد.

الثانية: ظهور مسرحية (هنري السادس) بأجزائها الثلاثة والتي ربما مسها شكسبير بقلمه كما تبين من نشرها في المجموعة الأولى لمسرحياته (١٦٢٣).

والثالثة: إن شكسبير كان في بعض الأحيان بل أغلبها يسطو على بعض القصص في مسرحيات غيره من الأدباء وينهبها في وضح النهار نهباً. ويتضح هذا من قول جرين (النمر المكتسي بجلد الممثل)، ومن (الريش الذي استعاره منا الغراب الأسحم ليتزين به).

أما المسرحيات التي أثارت دهشة جرين وحسده وجزعه معاً فلا يبعد أن تكون (هنري السادس) التي راجعها الشاعر على كلُّ حال وترك فيها أثراً ظاهراً. فقد لفتت إليها نظر جرين وأقرانه لما فيها من ازدحام الحوادث المتنوعة بشكل لم يعهد من قبل؛ وكذلك (تيطس أندرونيكس) التي يعتقدون أن شكسبير لم ينفرد بتأليفها بل اشترك في مراجعتها وتصحيحها؛ وهي مأساة رائعة إذا قيست بمآسي مارلو وتوماس كد التي كانت تعد من أعظم وأنفس ما شاهده ذلك العصر. وبتأثير ليلي طرق شكسبير باباً جديداً في فن الدراما هو الملهاة المفعم بالمحسنات اللفظية والكناية والاستعارة، فقد كان يحبذ هذا اللون من أساليب الكتابة الناشئون في الأدب، وهو أبرز ما يتمثل في جهد (الحب الضائع)

هذه هي المسرحيات التي ألفها شكسبير قبل وفاة جرين، فاسترعت انتباهه، وحولت إليه أنظار الأدباء والناس جميعاً. وبعد وفاة جرين بسنة يأفل نجم مارلو في سماء الأدب، ثم يقضي كد نحبه سنة ١٥٥٩، ويعرض لودج عن الأدب وينصرف إلى ممارسة الطب،

<<  <  ج:
ص:  >  >>