- أتعرف من يقيم في هذا الكوخ الأبيض المرتفع؟ فتظاهرت بأنني لا أعرفه وهززت رأسي متأسفاً وقلت: لا!
- إن الذي يقيم بهذا البناء هو حاكم هذا الإقليم، وهو إنجليزي الجنسية كما أعلم. . .
فشكرته على هذه المعلومات التي أدلى بها إلى ثم سكت! ولو كان هذا الصيني يعلم أنني سأقيم مع هذا الحاكم تحت سقف واحد لمدة من الزمن، لوفر على نفسه هذا التعريف الذي كنت على دراية به أكثر منه! وقد كان على حينئذ خطاب توصية إليه من ربان السفينة التي أقلتني إلى هذا المكان، لأنه لم يسبق لي مشاهدته أو التعرف إليه من قبل
وحين رسا القارب بنا وهبطنا إلى الساحل الرملي البديع، شعرت فجأة بتلك الوحشة التي يشعر بها كلُّ شخص تطأ قدماه أرضاً غريبة ليست له بها عهد من قبل، وقد وقفت برهة على الساحل أتامل البحر فتزيده بهاء وسناء وروعة. . .
ولم ألبث أن شعرت ببعض الخجل والارتباك وأنا أتقدم إلى كوخ الحاكم بخطوات وئيدة ثابتة، وقد حملت حقيبة أمتعتي في يدي اليمنى، وقبعتي العريضة البيضاء في يدي اليسرى، وأخذت أسائل نفسي أثناء سيرى قائلاً:(كيف أقدم نفسي إليه؟ بل كيف يخطر لي ببال - وأنا الغريب عن تلك المنطقة - أن أبيت وإياه في مسكن واحد، وأتناول ما يقدمه لي من طعام وشراب - وأنا لا أعرفه - حتى تأتي السفينة التي ستقلني إلى الجهة التي أزمعت الوصول إليها؟!)
ولكني لم ألبث - حينما وصلت إلى باب الكوخ - أن وفرت على نفسي مشقة هذه الأسئلة الغريبة المحرجة التي أخذت نتوارد على ذهني بسرعة هائلة، فأنزلت حقيبة أمتعتي إلى الأرض وأخرجت من جيبي خطاب التوصية الذي كنت أحمله معي وناديت أحد الخدم الواقفين بالباب وطلبت منه أن يسلمه إلى الحاكم يداً بيد. ولم يمض على دخول الخادم بضع دقائق حتى خرج إلى من داخل الكوخ رجل وسيم الطلعة، قوى البنية، ذو وجه باش أحمر يدل على إفراطه في الشراب، وعينين زرقاوين حادتي النظرات، وكان يبدو من هيئته أنه في العقد الرابع من عمره أو دون ذلك بقليل، وقد حياني تحية قلبية خالصة كما لو كان يعرفني من سنين، واستقبلني بحفاوة شديدة وسرور بالغ لم أكن أتوقعهما منه، وجذبني من يدي برفق، ثم نادى أحد الصبية وأمره بإحضار بعض المشروبات المنعشة،