وأراد الحاكم أن ينسيني ما كنت أشعر به في تلك الآونة من الخجل والارتباك لوجودي في هذا المكان الغريب، فتلطف معي في الحديث وقال:
- إنك لا تعرف كم أنا مسرور برؤيتك، ولا سيما أن ربان السفينة الذي أرسلك إلى من أعز أصدقائي وأخلص رفقائي، ولذلك أرجو أن تعتبر نفسك هنا كأنك في بيتك
فابتسمت له وشكرته بإيماءة من رأسي على أدبه الجم وحسن استقباله إياي. . .
ولم يلبث مضيفي أن أستاذنني وذهب لينجز بعض أعماله الضرورية التي لا تحتمل التأجيل. فلما فرغ منها عاد إلى وتمدد بجانبي على مقعد طويل من القماش، وأخذ بجانبي أطراف الأحاديث، ويروي لي شيء الكثير من مغامراته ومخاطرته في تلك البلاد. . .
ولما هبطت درجة الحرارة قليلاً، خرجنا للنزهة، وطفنا ببعض الأجزاء الهامة في تلك المنطقة، ومتعنا أنظار بجمال الطبيعة الساحر، ثم عدنا قبيل الغروب وقد تصببت أجسامنا من العرق، ولم أجد في ذلك الوقت ما ينقذني من تلك الحرارة الشديدة سوى أن آخذ حماماً بارداً. ففعلت. . وقد شعرت من بعده بلذة عجيبة، ونشاط جسماني غريب، أنسياني ما كنت أعانيه منذ لحظات من ضيق بالغ، وعذاب أليم!
وبعد أن فرغنا من تناول العشاء استأذنت صاحبي أن أنام لأنني كنت منهوك القوى من وعثاء السفر. وبالرغم من أن رفيقي كان يرغب في التحدث إلى طول الليل، إلا أنني أستاذنته مرة أخرى ورجوته أن يرشدني إلى الحجرة التي سأقضي فيها ليلتي. فقال صديقي وهو يقودني من يدي إلى غرفتي:
- كما تشاء يا صاحبي. . . ولن أثقل عليك الليلة بسماع أحاديثي المملة، وأقاصيصي المتعبة!!
وكانت الغرفة التي أدخلني فيها كبيرة رحبة ذات شرفة واسعة من الجانبين، ومؤثثة برياش بسيط لا بأس به، وفي ركن من أركانها نصب سرير كبير مغطى بكلة رقيقة من الدانتلة البيضاء لتقي من يرقد فيه من لدغات البعوض التي كانت تعد من أخطر الحشرات وأشدها فتكاً بحياة بني الإنسان في تلك الجهات وضحك صديقي وقال لي وهو يشير بيده إلى السرير.