للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وهذا تاريخ الإنسانية كله، نح منه الأنبياء ومن ساروا على هديهم، واصلحوا فساد إنسانيتهم بشرائهم، ثم انظر ماذا بقى، وقل لي أين الإنسان الذي تؤمن به؟ الإنسان الذي قتل أخاه وتركه في العراء حتى علمه غراب كيف يواري سوءة أخيه؟ أم الإنسان الذي ارتقى حتى صار يقتل بالقنبلة النووية الآلاف من النساء والولدان لا يجدون حيلة، ولا يهتدون سبيلا ولم يذنبوا ذنبا ولا أعلنوا حربا؟ أم الإنسان الذي استغل هذه الحرب، وهي مأتم الانسانية، فاخذ اللقمة من فم المرأة التي سيق زوجها إلى القتال، والولد الذي اخذ أبوه إلى الحرب، حتى إذا ماتوا من الجوع لبس الحرير ودان بالفجور، ورقص على جثثهم في هذا المأتم الباكي؟ أم الإنسان الذي يخون عهده وينسى الخبز والملح على تفي الكلاب؟ أم الذي يجزع ويضيق صدره ويبيد صبره إلى تصبر الحمير؟ أم الذي يشقى غيره ليسعد نفسه؟ على حين يتعاون النمل والنحل على ما فيه خير الجميع؟

الإنسان الذي انفرد دون سائر الأحياء من الملائكة وحيوانات بالكفر بالله، لا يشاركه في هذا (الشرف. . .) إلا الشياطين وهم كفار الجن، على حين يسبح بحمد الله كل شيء؟ أهذا الذي تؤمن به؟ وأين دواعي الأيمان حتى أؤمن مثلك؟ دلني عليها يا أخي أني لا أراها. آني لأتلفت حولي فلا أرى إلا آكلا الدنيا باسم الدين، أو شارباً دم الوطن باسم الوطنية، أو سارقاً أموال الناس باسم التجارة، أو حافراً بئراً لأخيه وهو يبسم له بسمة الأخاء، أو متعالياً على الناس باسم الوظيفة وهو أجيره، أو أستاذاً يستغل منصب التعليم وهو من عمل الأنبياء ليعتلي على عفاف تلميذته، أو طبيبا يسطو على عرض مريضته أو ممرضته، أو محاميا يأخذ أجرة الوكالة من (جمال) موكلته، وامرأة تخون زوجها، وزوجا يخالف إلى غير آمراته، وكل يكذب بقوله وعمله ويظهر غير حقيقته، والكبير يأكل الصغير كما تاكل الحيتان السمك، ويتربص به ليلدغه كما تلدغ الحية، فأين الإنسان الذي تؤمن به يا أخ؟ آني لا قوم على الطريق فانظر فلا أرى إلا ذئبا يلبس الثياب ثم يسطو كما تسطو الذئاب، أو ثعلبا يحتال مثل الثعالب، أو ثعبانا ناعم الملمس ناقع السم، أو ضفدعا لها صوت الثور ولكن لا تجر المحراث، أو ضبعاً تأكل أجساد الموتى، أو جرثومة فتاكة تفسد في الخفاء، فاقول سامح الله عبد المنعم! أهؤلاء هم البشر الذين يؤمن بهم؟!

وأنقل البصر إلى ديار المتمدنين فلا أرى مدنيتهم ألا أظافر من حديد ومخالب من فولاذ

<<  <  ج:
ص:  >  >>