يتركز عملهم في حمل المسؤولية، وفي إخراجهم إلى حيز الوجود خطط الإصلاح الملقاة على عاتقهم، وان جميع حركات الإصلاح العظمى - وهي الخطوات الرفيعة في سبيل رفاهية الإنسانية - لتتوقف كثيرا على زعامة هذه الجماعات الصغيرة، كما يقع الجانب العملي من هذه الزعامة إلى حد بعيد لا كليا على أكتاف مدرسي الآمة، وقد ظهر أن الأمم التي تفشل في أيجاد عدد كافي من المدرسين والمدرسات الذين تتوفر فيهم الشخصية الأصيلة القوية، والثقة والجرأة، إنما هي أمم ترجع القهقري؛ وسواء اظهر هؤلاء القادة في مصر أم لم يظهروا بعد، إلا إن وجودهم يتوقف كثيرا على ماهية التربية في البيت وفي المدرسة وفي الكلية، فلو إن التعليم كان تعليما إنسانيا من جميع نواحيه، فسيح الآفاق، لألفينا كثيرين من هذا الطراز، ومع أن هذا الفريق من القادة لا يدعي الزعامة لنفسه، إلا أنها تتوقف عليه. زد على ذلك انه هيهات أن يظهر رجال من هذا الضرب إذا ظل التعليم تلقينيا محضا، لا يبعث على الاستزادة، وكان محصورا في دائرة ضيقة من الأفكار.
ليس من شك في توفر المادة اللازمة لتكوين الزعماء في مصر، لكن هل ترانا هيأنا ذلك النوع من التربية يعبد السبيل لظهورهم؟ وهل اعددنا هؤلاء أعدادا تاما لما سيلقى على أكتافهم؟ أن للتربية الشرقية فوائدها الذاتية، لكن يظهر أنها غير كفيلة تماما بإنماء الشخصية، ذلك أن أثارها سلبية اكثر منها إيجابية وعلى الرغم من أنها تبرز الغربية في نواحي التأمل، إلا إنها أميل لإيثار التكرار والتقليد على الخل والتجديد، وسواء كان هذا الفهم صوابا أم خطأ إلا انه يلقى كثيرا من التأييد وليس معنى ذلك أن البلدان الشرقية تعوزها الشخصيات البارزة العظيمة، إذ الواقع أن الطبيعة تحافظ على أن تتغلب على ضيق تعليمنا المدرسي ومن ثم إنها تمدنا - بين حين وأخر - برجال أكفاء شديدي المراس، بيد أن قوتهم هذه قد ترتبط ارتباطا تاما بالنظرة العامة وبضيقها، فلا يتسع المجال أمامهم، ولا يكون لهم ثمة اثر عظيم، ولما كانت تعوزهم الاحساسات الإنسانية الواسعة فانهم يفشلون في الزعامة الحقيقية، ويكون فشلهم على الأخص في اكتساب احترام الجيل الناشئ، ذلك الاحترام الذي يتطلب على الدوام اتساع أفق التفكير عند رجال ذلك الجيل العظام، كما يتطلب قياسا خاصا من الكفاءة في معالجة المشكلات العامة، ومن ثم انه إذا شئنا أيجاد زعماء كبار أو صغار احتجنا إلى نمط من التعليم الحر المرن، واعني به ذلك