للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الذي يبرز القوى المستترة والعبقريات الدفينة في كل فرد على حدة اكثر مما اعني به ذلك التعليم الذي يطبع الرجال جميعا على غرار واحد، ويهبط بمستوى الشخصية عند الفرد منهم، وقد أثبتت المقارنة بين النمط التلقيني الصرف من التربية وبين النوع الرم على أن الضرب الأول يتمركز آثره قطعا في النتائج كما هو الحال في الصين مثلا وليس الأمر مقصورا على عون قوى العقل المبدعة من التقدم أو تمجيد الذاكرة أو إغفال التربية الجثمانية فحسب، بل هناك ما يؤدي إلى هذه الناحية الخطرة إلا وهو انعدام التربية الاجتماعية التي سأشير إليها فيما بعد، إذ أن التربية اجل من أن تكون تلقينا بحتا، كما أن التعليم الحر يشمل كثيرا من نواحي النشاط داخل المدرسة وخارجها، وحيثما يرى الشخص نفسه صالحة للحياة العامة والاندماج فيها، فهو يتعلم كيف يعامل الناس وكيف (يأخذ ويعطي)، وكيف يكيف نفسه بما يتفق وحاجات الجماعة، ويدرك أين يتحتم عليه تناسي أهوائه الشخصية وهيهات أن يسلس قياد الإدارة للزعماء ما لم يعرف الاتباع كيف يتبعون، ومن ثم فإن مهارة روح الجماعة أو بعبارة أخرى القدرة على اتباع قائد لا تقل أهمية عن قوة القيادة نفسها، بيد أنها لا تكتسب في يوم، ولا نستطيع القول بأنها لقيت في نظم التعليم الشرقية ما تستأهله من العناية وما يجدر بها من الأهمية.

إذا أرشدنا إلى هذه العيوب في تعليمنا، فينبغي أن لا نتناسى إن بعضها موجود في المدارس الغربية، فالمتحذلقون يعوقون المربين في كل مكان، كما أن ضيق أفق الذهن لهو خطيئة المدرسين الكبرى في جميع بقاع العالم، فالمتطرف من المصلحين هو في الغالب رجل ضيق الذهن ولكنه مع ذلك رجل من نوع جديد، ولقد ألف الشرق التحمس للآراء الغربية، ومن ثم غدا أسير الجدة حتى لقد نبذ كل شيء شرقي وراءه ظهريا، فعلى الرغم من أن الرجل ولد شرقيا إلا انه اصبح يزدري أساليب التفكير الشرقية ولربما لج في تطرفه فثار ثورة شديدة على عواطف شعبه، وقد يسرف فيناصب أسرته العداء، ومن حسن الحظ أن من على هذا المنوال قلة ضئيلة، لكن الشيء الواضح هو تفكك هذه الأصول، ذلك التفكك الذي يقوض الروابط القوية، ويحطم اتساق الحياة وهذا يوضح لنا التأثير السيئ لتيارين من الثقافة ليست ثمة وشيجة من الصلة توحد بينهما. مما أدى إلى انجراف الشخصيات الضعيفة في هذين التيارين اللذين تقاسماها، وسارت في طريق يؤدي

<<  <  ج:
ص:  >  >>