بها إلى النهاية لان تكون شيئا جديدا وغريبا، فتزعزعت الروابط القديمة، واجتثت من الحضارة التي كانت تنتمي إليها في الأصل، وفقدت ثقتها في القديم، ولم تجد عوضا عنها في الجديد فكانت عاقبة ذلك خواء لا خير فيه ولا جدوى منه، أما مصر فتقف في ملتقى الحياة الشرقية والغربية، ووصلت إلى مرحلة يستحيل فيها - لو أرادت - أن تقلب أوضاع التاريخ وتفصل التيارين بعضهما عن بعض، وكل ما يبتغى هو أن لا يتصارع التياران سواء في الذهن الإنساني أم في دنيا الواقع، وعسى أن يشقا طريقيهما متآخيين بما يعود على كليهما باليمن، فإذا اتحدا أصاب حياة اعظم رخاء وأكثر عمقا وأوفر طمأنينة، لكن ليس معنى هذا أن يبتلع أحدهما الأخر أو أن يفقد كلاهما خواصه الذاتية، بل الواجب أن تكون هناك تعديلات طفيفة إذا شئنا أن تظل الحياة كما هي، أما تطرف كليهما إلى الحد الذي رأيناه فشر لا فائدة فيه، كما أن إثارة العداء الشديد بينهما ستؤدي حتما إلى انهيارهما معا، وتكون التطورات التي تنجم عن ذلك أبعد مدى مما نتصور، اعني أنها تكون ثورية إن لم تكن هدامة، هذا بينما يؤدي اتباع سياسة التغير المعتدلة - التي تتناسب ومجريات العالم الحديث - إلى اقتباس كل ما في الماضي من خير، وتتسم دنيانا اليوم بأنها دنيا تطور سريع جدا، وان لم يتبادل هذا التطور الأمور الأساسية بل يتلخص في إنه نظرة سطحية ترى إن جميع التغيرات تسير في سلم التقدم، مع أن (التوقف عن التغير هو التوقف عن الحياة نفسها) كما قال فرويد، وسواء أكنا نؤيد هذا الرأي أم ننكره إلا إن الواقع أن الحياة تجرفنا جميعا إلى غد وليد جديد، كما أن سير الحوادث يرغم الناس على أن يفكروا بأساليب جديدة كما هو الحال الآن حينما تجد اصغر القرى نفسها مرغمة على التفكير في آمرو المجتمع الإنساني بأكمله، وفي مثل أزمنة التغيرات القوية هذه يكون من الضروري لنا إلا نشعر بان شيئا من القيم الحقيقية قد أمحى، وأن ندرك أننا نجني خيرات التقدم ونستغلها في حياتنا اليومية، وعلى الرغم مما يبدو على هذا القول من الغموض، إلا انه ينبغي أن يكون الحجر الأساسي الذي ترتكز عليه الحياة التربوية.
إن ما أحدثته الأفكار الغربية من انقلاب في علوم الطب والصحة والنفس وما شاكلها لينبغي أن يستغل لخير الحياة في هذا القطر ويجب إدخاله في تربيتنا، وان نمزج بينه وبين الحياة والثقافة المصريتين، ولا سبيل لهذا التطعيم عن غير طريق المدارس والمعاهد