فهي طريقه الطبيعي الكامل، وكذلك بواسطة مجهودات الأشخاص ونشاط الصحافة والإذاعة، ففي مكنة هذه كلها أحداث شيء من التغير لا سيما في الأمور الظاهرية، وليس معنى ذلك أن تصبح مصر أمة غربية، فتصبغ فنها ودينها وأدبها وموسيقاها وكل شيء في حياتها بهذه الصبغة، وإلا كان ذلك طعنا للامة في صميمها، وحتم علينا إلى أن نشير إلى انه قد تهيأ وجود أداة تراقب تأثير الغرب على الشرق وتنظمه في حينه ردى ذلك إلى التفاهم وإلى استبقاء كل ما هو جليل الخطر في الشرق، واشعر أن هناك بعض نواحي خاصة في الأسلوب الغربي لم يكن ثمة رغبة فيها أو حاجة أليها، ثم أزيلت - هذه النواحي الخاصة - بخير الطرق، وهذا وحده يبين لنا الحاجة القصوى إلى الرقابة، كما انه لو اتبعت الحكمة في إدخال بعض النواحي الأخرى من المعرفة الحديثة لكان لذلك اعظم قيمة، فجل الهندسة الحديثة غربي الأصل على الرغم من أننا لو رجعنا إلى الوراء لوجدناها تدين كثيرا إلى الحساب العربي؛ كما أن مستشفياتنا ومدارسنا الطبية ليست سوى تعبير صريح للعلوم الطبية الغربية التي تدين بعض الشيء إلى الفكر الشرقي القديم، أما نسبة الوفيات بين الأطفال (وهي نسبة مرتفعة جدا في مصر) فقليلة جدا في البلدان التي آخذت بدراسة الحضانة دراسة علمية وعنيت بها، وليس ثمة حاجة للبرهنة على أن قرانا ومدننا في مسيس الحاجة إلى أمثال تلك المؤسسات العلمية، كما نجد أن روح البحث والتنقيب العلمي القائمة على قواعد غربية لمستعملة في محيط الفن بقصد كشف كنوز مصر القديمة، وحفظها من العبث، هذا في الوقت الذي أدى فيه الباحثون الغربيون كثيرا من الخدمات في سبيل تفسير المخطوطات المتعلقة بالمسائل والدراسات الإسلامية، وفي جمعهم مواضيع الفن العربي وترتيبها، كذلك كان للغرب اثر غير منكور في ميدان الرياضة، ويكفي أن يشاهد المرء ثلة من الأولاد المصريين وهم يلعبون كرة القدم أو كرة السلة ليشعر تماما مقدار النقص العظيم في كل نظام تربوي يهمل أمثال هذه النواحي من النشاط، كما أن ممارسة الطفل لهذه الألعاب لا تخرجه عن مصريته، كما انه لا يمكن أن نطعن في مقدرة مدرس لأنه تربى في إنجلترا أو فرنسا، وكل هذه الأمثلة تشير إلى ذلك الاتجاه الجديد، وتوضح ضرورة تشجيع هذين النوعين من الثقافة، ولا يقصد من وراء ذلك أن يحل أحدهما محل الآخر، بل المقصود أن يتعاونا معا في سبيل انتظام الحياة والانتعاش والتقدم