للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

رأوا ذلك فآمنوا بالحمار إيمان تقدير وتفضيل، لا إيمان دين وعبادة، فألفوا منذ ربع قرن (جمعية الحمير)، وجعلوها سّرية لأن الناس لم يستعدوا بعد لفهم هذه الأخلاق الحمارية، وتقدير أهلها، وكيف ولا يزال الواحد منهم إذا شتم آخر قال له من غروره وحماقته: يا حمار!

وقد خرج من هذه الجمعية رئيس وزارة ووزيران وخمسة من أعضاء المجمع العلمي العربي، وكان يعطف عليها ملك عربي عظيم ويصغي مستمتعاً إلى حديثها. والانتساب إليها صعب، لابد فيه من ترشيح ثلاثة من الأعضاء، وتقديم أطروحة في شرح مزية للحمار لم تعرف، وبعد مناقشتها (علناً) يقبل الطالب ويسلم إلى أحد الأعضاء لتطبيعه على طبائع الحمير، ثم يثبت عضواً أو يردّ. ولأن يصير المرء وزيراً أو أستاذا في الجامعة (بقانون خاص) أهون من أن يصير عضواً فيها

ولهم إشارة يتعارفون بها، هي التي سرقها منهم تشر شل فعمت الأرض، وهي الإشارة بالسبابة والوسطى إلى أذني الحمار، لا إلى أل (فاء) من (فكتوار)! ولهم اصطلاحات في كلامهم خاصة بهم، منها أنه إذا دعاهم كبير جاهل ممن يحب أن يجمل بالأدباء مجالسه، قالوا: هلم نذهب إلى المعلف. . .

وإذا وصفوا غناء عبد الوهاب (مثلا) قالوا: ما أجمل هذا النهيق، وإذا رأوا على غنّي من أغنياء الحرب ثوباً جميلاً، قالوا: ما أحلى هذه البرذَعة. . . وإذا شاهدوا داره، قالوا: ما أفخم هذا الإسطبل. وللجمعية درجات رفعوا بعضها فوق بعض، فأعلاها اليعافرة نسبة إلى يعفور حمار النبي صلى الله عليه وسلم، فالسيارون نسبة إلى حمار أبي سيارة الذي أجاز عليه الحجاج من المزدلفة إلى منى أربعين سنة، وكان يشق الناس ويقول:

خلوا الطريق لأبي سيارة

وعن مواليه بنى فزاره

حتى يجيز سالما حماره

مستقبل القبلة يدعو جاره

فقد أجار الله من أجاره

ولهم علم وأدب، وهم يفضلون بشاراً على الشعراء لأنه توصل بحدة ذهنه، وشدة ذكائه إلى

<<  <  ج:
ص:  >  >>