التغزل بأتان على لسان حمار، ويقدمون خالد بن صفوان والفضل بن عيسى الرقاشي لأنهما كانا يختاران ركوب الحمير على ركوب البراذين ويدافعان عنها، ويئنون على من ألف (خواطر حمار) ومن ترجمه. . .
وحديثهم طويل، فماذا يقول فيه الأستاذ عبد المنعم؟
أيقول إنهم (حمير. . .)؟!
أزمة القلوب في مصر:
أنا أحبكم والله يا أهل مصر، فخذوها مني كلمة محب متألم لا كلمة عدو ناقم، وإن مصر بلدي ومنها أصلي، وفيها قلبي؛ منحته أهلها ولم آخذ منهم شيئاً، لأنهم لم تبق لهم قلوب يحبون بها، قد ذهبت بها صبوات النفس، ونزوات الصبا، لقد أماتتها هذه المجلات الداعرة، وهذه الأفلام الخليعة، فأين الحب يحييها؟ أين الحب في البلد الذي لا تمنع فيه ثمرات الجمال؟ وهل يزكو الحب إلا على المنع؟ وهل يعيش إلا على الأمل؟ وهل يتغذى إلا بالألم؟
وهل الحب إلا تطلع إلى المجهول، وتشوق إلى ما وراء (الحجاب)؟ وهل أنطق الشعراء بآيات الغزل إلا ذاك؟ وهل هذه الآلاف من السيقان الباديات على سيف الإسكندرية تبلغ كلها من نفس الشاعر كما تبلغ ومضة من بياض ساق ليلى، لو بدت للمجنون وللعاقلين. . . ساق ليلى؟ فإذا لم تبالوا يا أهل البلاج. . . بهذا الشيء الأثري الذي يسمونه الدين فاحرصوا على الفن. حافظوا على الحب، فالحياة الحب والحب الحياة. . . فماذا تكون حياتنا بغير عاطفة ولا حب؟ وأين الشعراء يدافعون، لا عن الفضيلة، بل عن الحب الذي يحتضر على رمل الإسكندرية، على حين ترقص عند سريره الشهوات المعربدة وتصيح.
لقد كنا نقرأ (روفائيل) و (الأجنحة المكسرة) فترفعنا إلى عالم في السماء، عالم مسحور كله عاطفة وفتنة وطهر، فنتخيل فتاته في أحلامنا تطير في جوّ من العفاف ملفوفة بالنور، لا بل هو شيء فوق ذلك فما يبلغ قلمي الآن وصفه، فماذا يرى من يقرؤها اليوم من الشباب، انهم لا يتخيلون إلا فتاة الترام أو غادة البلاج، أو صبية السينما، فيسرعون إليها، فما تكون إلا دقيقة واحدة، حتى ينصرم الحلم، وتمحى الرؤيا، فتهبط من السماء إلى أعماق الفراش الدنس. . .