أعظم العظماء في تاريخنا السياسي خمسة، لست أنكر عظمة من عداهم، ولا أبخسه حقه، ولا أنزل به عن مكانته. وإني لأعلم إن في تاريخنا لعشرة آلاف بطل، ما تملك أمة مائة من أمثالهم، ولكن هؤلاء الخمسة معدن آخر، ما صنع الله منه بشراً غير نبيّ إلا هؤلاء الخمسة، فكانوا تحقيق المثل الأعلى الذي ينتهي إليه خيال الأديب، وتأمل الفيلسوف، وتصورّ الإنسان حينما يتصور الملك الكامل، والزعيم والحاكم، خمسة أوتوا من الذكاء أحدَّه، ومن الرأي أسدّه، ومن الإخلاص اشدّه، فأن وزنت عظمتهم بسعة نفوسهم، وجلال مواهبهم، وقيمة أشخاصهم، وجدتهم قد رجحوا في الميزان على كل عظيم من غير الأنبياء، وان قستها بآثارهم الباقية، وما صنعوا لهذه الأمة من مجد، وما خلفوا فيها من تراث عقلي أو وطني أو خلقي، ألفيتهم السابقين المبّرزين، وان رأيت ما أفادوا من خدماتهم، وما انتفعوا به من سلطانهم، وما كان لنفوسهم من حظ من ملكهم، وجدتهم عاشوا جميعاً مثلما يعيش رجل من غمار الناس، ما استأثروا بطيب من الطعام ولا لين من اللباس، ولا أورثوا فضة ولا ذهباً، ولا استفاد أبناؤهم منهم مالاً ولا نشباً وان عرضت بعد ذلك سيرهم عرض ناقد متعقب، أو نظرت إليها نظر عدوّ شانئ، لم تستطع أن تجد فيها عيباً؛ فلا أخطئوا في سياسة، ولا تعمدوا مظلمة، ولا حجزوا حرية الرأي، ولا أساءوا لمسلم ولا ذمي، ولا حنثوا مع محارب بقسم، ولا نقضوا عهداً، وكانوا مظفرين في الخارج في الحروب، مظفرين في الداخل بالسياسة. . .
أولئك هم: أبو بكر، وعمر بن الخطاب، وعمر بن عبد العزيز، ونور الدين زنكي، وصلاح الدين.