للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

على أن للتصحيف - على عكس ما ذكرنا - جنايات، قد تلحق غير أهله، وشؤما ربما أصاب من لم يتعلق منه بسبب. فمن الذين جنى عليهم التصحيف حبيش بن الحسن الأعسم أحد تلاميذ حنين بن اسحق الطيب. قال القفطي: (من جملة سعادة حنين صحبة حبيش له، فإن أكثر ما نقله حبيش نسب إلى حنين. وكثيراً ما ترى الجهال شيئاً من الكتب القديمة مترجماً بنقل حبيش، فيظن الغّر منهم أن الناسخ أخطأ في الاسم، ويغلب على ظنه أنه حنين وقد صُحِّف، فيكشطه ويجعله لحنين!

ولعل ابلغ جنايات التصحيف إنما وقعت على مخنَّثي المدينة الذين خصي ستة منهم أو سبعة بشؤم تصحيفه واحدة. وحديث ذلك أن سليمان بن عبد الملك كتب إلى أبن حزم أمير المدينة أن أحص من قِبَلك من المخنثين. فصحَّف كتابه فقرأها: أخص من قبلك من المخنثين (بالخاء المنقوطة)، فدعا ابن حزم بهم فخصاهم. وكان ممن خصي بشؤم هذه النقطة: طويْس ودلال وبرد الفؤاد ونومة الضحى ونسيم السحر وضرة الشمس.

قال جعدبة: قلت لكاتب ابن حزم: يزعم المخنثون أنه كُتِب إليهم أن (أحصِهم). فقال يا ابن أخي! عليها نقطة إن شئت أريتكها. . . قال: وقال الأصمعي في روايته: عليها نقطة مثل سهيل، ولما وقعت الواقعة على طويس قال: هذا الختان الأكبر! وقال نسيم السخر: أف لكم، ما سلبتموني إلا ميزاب بولي!

هذا، وللمصحفين لجاج يدفعهم إليه ضعف مُنَّتهمَ عند الحاجة، وقد يفضي بهم ذلك إلى الإفراط في المهارة وإلى الكذب والدعوى والاختلاق، على حد قول القائل في أحدهم:

يكسر الشعر فإن عاتبته ... في محال قال في هذا لغة!

حدّث المبرد قال: أنشدنا يوما أبو العلاء المنقري:

قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ... بسقط اللوى بين الدخول فحومرى

فقلت: باللام. فقال: كذا قلت باللام فحومرلي!

وقال محمد بن عمر الجرجاني: صحف ابن الإعرابي في شعر الكميت وأنا حاضر، فأنشد:

فبانوا من بني أسد عليهم ... نجارٌ من خزيمةّ ذي القبولٍ

فقلت: إنما هو (باتوا) بالثاء. فلوى شدقه!

فقلت: إن بعد هذا البيت ذِكرُ البيت:

<<  <  ج:
ص:  >  >>