للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

إليه، وقد حبس نفسه عليه سنين من عمره، وتوفر على دراسة وسائلة وأسباب النبوغ فيه؛ فما كان بقادر على أن يعتزل قضية الحرية، وهو نصيرها في كل وجه من وجوهها، وانه وقد استطاع أن ينتزع نفسه من الشعر انتزاعاً سنة ١٦٤١ ليوقد نار الحرب على القساوسة دفاعاً عن الحرية ليجد اليوم من اليسير عليه أن يرجئ العودة إليه، ولو إلى أجل قريب لينظر ماذا تكون عاقبة ذلك الصراع العظيم بين الملك والبرلمان، أو بين سلطة الفرد وسلطة الشعب.

وكان ذلك الصراع العنيف بين الملك والبرلمان صفحة مجيدة في تاريخ الحرية، أو فصلاً رائعاً من تاريخ الإنسانية في تمردها على الأغلال وأنفتها من الاستعباد، أو على حد تعبير مكولي في قوله: (لقد عاش ملتن في عصر من أبقى العصور ذكراً في تاريخ البشر، حيث كانت ساعة الفصل في ذلك النزال العظيم بين هورومازدو أهريمان بين الحرية والطغيان، بين العقل والهوى، ولم تكن هذه المعركة العظيمة من أجل جيل واحد ولا من أجل وطن واحد، وإنما ارتبطت مصائر الجنس البشري كله بما يكون من مصير الحرية لدى الشعب الإنجليزي، فها هنا أعلنت لأول مرة تلك المبادئ الغلابة التي اتخذت منذ ذلك الحين سبيلها إلى أعماق الغابات الأمريكية، والتي أثارت ثائرة اليونان على ما ضرب عليهم ألفى سنة من الذلّة والتدهور، والتي أوقدت في قلوب الشعوب المظلومة في أوربا من أحد طرفي القارة إلى طرفها الآخر ناراً لا تنطفئ جذوتها، وأرهكت مفاصل الطاغين بما لا قبل لهم به من خوف).

ونحسب بل تكاد في الحق نجزم أنه لولا ما كان فيه ملتن من شغل شاغل بمحاربة القساوسة، ثم بما مني به من خيبة في زواجه، وما جره ذلك عليه من خلاف شديد بينه وبين البرسبتيرينز وحرب منه أدارها عليهم، ما كان ليذر قضية البرلمان بضع سنين بغير دفاع منه في كتيبات كتلك التي نشرها سنة ١٦٤١، فإن رجلا له مثل روحه الحرة الوثابة، ومثل ثقافته الواسعة الممتازة، لخليق بأن يناضل بقلمه في تلك المعركة الدائرة في سبيل الحرية، وجدير إلا يكون نضاله بالقلم أقل بأساً من نضال الشاهرين سيوفهم الباذلين في سبيل النصر أرواحهم.

ونعتقد أن يأسه من الإصلاح وحنقه على بني قومه لعزوفهم عما دعاهم إليه لم يكن كما

<<  <  ج:
ص:  >  >>