ذهبت روزماري في يوم من أيام الشتاء لشراء شيء من محل تحف أثرية وكان يعجبها ذلك المحل لمبالغة صاحبة في التلطف في خدمتها، فكان يشرق وجهه عند دخولها ويقبض يديه ويكاد لا ينطق من فرط احترامه لها وإعجابه بها. وكل هذا تملق طبعا.
وبدأ الرجل كعادته يشرح لها بصوت كله هدوء، وحركات كلها احترام (إني أعتز بتحفي فأفضل ألا أبيعها أبدا على أن أبيعها لشخص لا يقدرها حتى قدرها أو لشخص يفتقر إلى حاسة تذوق الجمال) ثم تنهد وأخرج علبة من القطيفة الزرقاء وضغطها على المائدة الزجاجية بأطراف أصابعه الشاحبة.
وما كان ليحتفظ لها بهذه العلبة الصغيرة التي لم يعرضها على أحد قبلها إلا لندرتها ودقة صنعها وبهاء صقلها.
وأخرجت روزماري يديها من القفاز الطويل لتفحص هذه العلبة التي أعجبت بها وأحبتها وصممت على اقتنائها ثم لاحظت جمال يديها على القطيفة الزرقاء وهي تفتح العلبة وتقفلها. وربما جرؤ البائع أن يلحظ هذه الملاحظة عينها في نفسه لأنه تناول قلما وانحنى على المائدة وزحفت أصابعه الشاحبة لي تلك الأصابع الوردية المتوهجة وقال بلطف (لو سمحت لي سيدتي أن أريها الأزهار على غطاء العلبة).
فأبدت روزماري إعجابها بالأزهار وتساءلت عن الثمن. بيد أن البائع لم يسمعها في اللحظة الأولى. وأخيراً طرق سمعها (٢٨ جنيهاً يا سيدي).
(٢٨جنيها؟) لم تنبس روزماري بينت شفة ووضعت العلبة ولبست قفازها (٢٨ جنيهاً) حتى إذا كان المرء غنيا؟. . . واضطربت روزماري وحملقت في إبريق شاي ضخم يعلو رأس الرجل وأجابت بصوت حالم (حسنا، أيمكنك أن تحتفظ بها لي؟ - سوف. . .).
ولكن البائع انحنى كما لو كان احتفاظه بها لها واجباً معروفاً وخرجت روزماري وأوصدت وراءها الباب وتأملت في الجو الممطر، وكان المطر يتساقط رذاذا وبدأ الظلام يخيم على الدنيا كالرماد المتهاوي، واشتد البرد وبدت المصابيح المضاءة حزينة وكانت الأنوار في المنازل المقابلة معتمة تحترق كأنها تتحسر على فقد شيء وكان الناس يتعجلون السير وقد شرعوا مظلاتهم.