فرغ قدحها ملأته لها بالشاي والحليب والسكر فطالما قال الناس إن السكر منعش جداً. أما روزماري نفسها فلم تأكل بل كانت تدخن وتنظر للخارج عمداً حتى لا تخجل الأخرى.
وفي الحقيقة كان مفعول تلك الأكلة الخفيفة عجيباً. فلما حملت منضدة الشاي خارجاً كان يتمدد على المقعد إنسان جديد، مخلوق خفيف ضعيف ذو شعر مجعد وشفاء قاتمة وعيون غائرة مضيئة، كان يتمدد هذا المخلوق في نوع من الاسترخاء الحلو ناظراً إلى اللهب متأملا فيه.
وأشعلت روزماري سيجارة جديدة وبدأت حديثها بكل لطف (ومتى تناولت آخر أكلة؟) ولكن في تلك اللحظة تحرك مقبض الباب وسمع صوت من الخارج (رزوماري! أيمكنني الدخول؟) كان هذا زوجها فيليب.
أجابت روزماري (طبعاً).
دخل فيليب ووقف محملقاً بضع لحظات ثم قال (إني آسف لإزعاجكما).
(لا داعي للأسف فكل شيء على ما يرام (هذه صديقتي الآنسة. . .).
(سميث، يا سيدتي).
قالت روزماري (سميث وسنتجاذب أطراف الحديث لمدة قصيرة).
قال فيليب (حسنا)، ولاح بصره المعطف والقبعة على الأرض، ثم اتجه نحو النار وأدار ظهره إليها (إنه مساء كئيب) قال ذلك بغرابة مصوباً نظره نحو الشبح المتغافل ثم نحو روزماري ثانية.
فقالت روزماري بلهجة غير عادية (نعم. أليس كذلك؟).
فابتسم فيليب ابتسامته الساحرة الساخرة وقال لزوجته (في الحقيقة أود أن تجيئي إلى المكتبة لحظة. هل تسمح لنا الآنسة سميث؟).
فحدقت العينان الكبيرتان الغائرتان في فيليب ولكن روزماري أسرعت وأجابت عنها قائلة (طبعاً تسمح) ثم خرجا من الغرفة معاً.
ولما انفردا قال فيليب (وضحي لي من هي، وما معنى كل هذا؟).
فاستندت روزماري إلى الباب وهي تضحك قائلة (التقطتها من الشارع. سألتني ثمن قدح الشاي فأحضرتها معي إلى هنا).