للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وخلفاء.

وليت شعري كيف عمى الخلفاء عن تلاعب البحتري بهم هذا التلاعب المقيت، فلم يتنبهوا إلى غدره الفاحش، فيقفلوا أبوابهم في وجهه على اقل تقدير ولكنه الحظ الذي ستر مثالبه، وأطبق العيون عن مخازيه، فجعل كل خليفة يبتسم له ناسيا ما ارتكبه في حق زميله السابق من غدر وعقوق، ولقد كان أبو تمام أولى ب هذه الحظوة لدى الخلفاء، لما نعرفه من نبل أخلاقه، وكرم خلاله، إلا إن السعادة التي احتضنت البحتري قد ناصبت حبيبا العداء! فقد مدح المعتصم بقصيدتين خالدتين ثم رجع ولم يظفر بطائل رغم شفاعة أحمد بن أبي دؤاد!!

والحظ يقسم عاش بشر ما اشتكى ... بصرا وعمرا أكمها بشار!

على أن له مع أحمد بن الخصيب موقفا كمواقفه مع الخلفاء سواء بسواء، قال صاحب الموشح (حدثني أحمد بن أبي ظاهر فقال: ما رأيت اقل وفاء من البحتري ولا أسقط، رأيته قائما ينشد أحمد بن الخصيب مدحا له فيه، فحلف عليه ليجلس، ثم وصله واسترضى له المنتصر وكان غاضبا عليه، واخذ له منه مالا فدفعه اليه، ولما نكب المستعين أحمد بن الخصيب بعد كرمه هذا رأيت البحتري ينشده

لابن الخصيب الويل كيف انبرى ... بإفكه المردي وإبطاله

قد اسخط الله بإعزازه الد ... نيا وأرضاها بإذلاله

يا ناصر الدين أنتصر موشكا ... من كائد الدين ومغتاله

فهو حلال الدم والمال أن ... نظرت في سائر أحواله

والرأي كل الرأي في قتله ... بالسيف واستصفاء أمواله

ثم قال ابن ظاهر كان ابن العلجة فقيه يفتي الخلفاء في قتل الناس! نزحه الله).

هذه علاقة البحتري المخزية مع أولياء نعمته، ولقد كان في حاجة إلى من يذكره بقصة صعصة بن غالب حين بلغه موت الوليد ابن عبد الملك، فقال: لعنه الله وأخزاه! لقد سبني مرة أمام حشمه وخوله، وكان والده غالب حاضرا فقال: يا بني لقد رفعت من ذكر الوليد إذ ذكرت سلطانه عليك، وخفضت من شأنك إذ نبهتنا إلى منزلتك لدى الخليفة وأنت سيد قومك، فلا تفضح نفسك بهجاء رؤسائك أمام الناس!!).

(يتبع)

<<  <  ج:
ص:  >  >>