في الدرك الأسفل من الجهالة، ولقد كان عصره يحاكي عصر بركليس في أثينا من جميع الوجوه.
الجامعات العربية:
وقد أنشأ العرب في فتوحهم عدة جامعات كبرى، وكانت جامعاتهم في البصرة والكوفة وبغداد والقاهرة وقرطبة وبلرم وسالرنو واشبيلية تغص بالعلماء والمتعلمين الذين كانوا يقصدونها من أقصى أطراف العالم الغربي الاوربي، وفي عهد الخليفتين: عبد الرحمن الثالث والحكم بن عبد الرحمن، بلغت مدارس قرطبة وحدها سبعا وعشرين مدرسة، وكان فيها إلى جانب هذه المدارس أيضا مكتبة حافلة يقال إنها حوت خمسمائة ألف مجلد.
يقول دوزي لم يكن في كل الأندلس أمي واحد يوم لم يكن في أوربا من يلم بالقراءة والكتابة إلا الطبقة العليا من القسوس، وكان العلماء والأدباء والفلاسفة فيها يختلفون إلى مختلف المجامع - كالمجامع العلمية اليوم - للتفاهم والمناظرة.
وقد كان طلبة العلم من مسيحي أوربا يفدون أفواجا على جامعة قرطبة لتلقي العلم فيها، وعن طريق هذه الجامعة الشهيرة انتقلت الفلسفة العربية إلى مختلف أقطار أوربا وظهر أثرها واضحا بليغا في جامعات باريس واكسفورد، وايطاليا الشمالية وسائر أقطار أوربا الغربية ومن الذين تأثرت الحركة الفكرية في أوربا ببحوثهم؛ كان أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن رشد مولود قرطبة؛ فقد ألف هذا العبقري الفذ في الفلسفة الطبيعية وفي المادة والقوة، وقدم العالم، والطب والرياضيات والفلك؛ وعدل تعاليم الفيلسوف ارسطاطاليس الفلسفية وفصل بها بين اللاهوت والعلم فحسبه قومه كافرا ونبذه بعضهم ولكن (لاوي بن جرسون) ترجم كتاباته إلى اللاتينية وشاركه في ذلك ابن نربون فوصلت كتابات ابن رشد الفيلسوف العربي إلى العالم اللاتيني سنة ١٢٥٠ فأستند إليها الطبيعيون، والعلماء، والفلاسفة، والاشتراكيون واعتمدها دانس سكوتش كما اعتمد ارسطو؛ وحتى قال بعض علماء الغرب، إنما ابن رشد كان خميرة أوربا، وقد رسخت قدمه في جامعات شمالي إيطاليا ثلاثمائة عام، ومن اتباعه بطرس أبو تسيس وجونجندن واوربانس في بولونيا، وبولس في فنيسيا سنة ١٤٢٨ م، وكاجاتانوس النيسيسي حتى أن الفيلسوفة السيدة كسندرا فيدال دافعت عن ابن رشد، وقد تسربت فلسفته أيضا إلى جامعتي بولونيا وبدوي.