للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وقد ترجم ابنه اسحق بن حنين مقالة ارسطوطاليس في الروح وقد علق عليها فيما بعد الافروديسي، وتعد هذه الترجمة النادرة اليوم من أهم المراجع لدرس الفلسفة في عصرنا الحاضر، ويعلل الأديب الأستاذ إسماعيل مظهر هذه الظاهرة باتجاه الفكر بالأزمنة الحديثة إلى درس ألبي سيكولوجيا وابتعاده عن درس المنطق.

يقول القاضي صاعد بن أحمد الأندلسي: (. . . ثم لما أفضت الخلافة فيهم إلى الخليفة السابع عبد الله المأمون بن هارون الرشيد تمم ما بدأ به جده المنصور، فأقبل على طلب العلم في مواضعه، وداخل ملوك الروم وسألهم صلته بما لديهم من كتب الفلسفة فبعثوا إليه بما حضرهم من كتب أفلاطون وارسطوطاليس، وابقراط وجالينوس واقليدس وبطليموس وغيرهم من الفلاسفة فإستجاد لها مهرة التراجمة، وكلفهم إحكام ترجمتها. فترجمت له على غاية ما أمكن، ثم حظ الناس على قراءتها، ورغبهم في تعليمها، وكان يخلو بالحكماء ويأنس بمناظرهم ويلتذ بمذاكرتهم علما منه بأن أهل العلم هم صفوة الله من خلقه ونخبته من عباده؛ وأنهم صرفوا عنايتهم إلى نيل فضائل النفس الناطقة وزهدوا فيما يرغب فيه الصين والترك ومن نزع منزعهم من التنافس في دقة الصناعة العملية والتباهي بأخلاق النفس، والتفاخر بالقوى إذ علموا أن البهائم تشركهم فيها، وتفضلهم في كثير منها، فلهذا السبب كان أهل العلم في كل زمان هم مصابيح الدجى، وسادة البشر، وأوحشت الدنيا لفقدهم).

وقد بلغ من اهتمام المأمون بالعلوم وحثه على طلبها أن اصبح يضرب به المثل في عظم الحركة العلمية، حتى لقد مثله (نولدكه) بأنوشروان وغيره من رسل الثقافة العامة.

يقول الدكتور طوطح في رسالته الإنجليزية عن حالة التعليم عند العرب: (انه بينما كان شارلمان يتعلم القراءة مكبا على مطالعة رسائله مع أترابه في مدرسة القصر كان المأمون يعالج الفلسفة بمناقشة اقضيتها هناك في بغداد). وقال إن المأمون أوفد عميد بيت الحكمة إلى بلاد اليونان لنقل حكمة اليونان وعلوم اليونان إلى اللغة العربية.

على إنه ليس في وسعنا أن نصور عصر المأمون الذهبي في مثل هذه الكلمة العجلى، وحسبنا أن نختم الكلام فيه بعبارة السير وليم مويز الموجزة البليغة إذ يقول: لقد كان المأمون عاملا من عوامل النهضة العلمية، على حين كان الملوك المعاصرون له في أوربا

<<  <  ج:
ص:  >  >>