فالتفتت إلى الوراء وهي تعبر عتبة الفندق وأومأت له برأسها، فأدرك بأن عليه أن ينتظر.
وبعد عشر دقائق نفرت الفتاة من الفندق، فاقترب منها الفتى، وصافحها كما لو أنه ربي وإياها. . . وصافحته هي كما لو انه عزيز على قلبها كان غائبا فأتى. . . وسارا جنبا إلى جنب. . . ثم بادرها الكلام بقوله:
أظن أنكما لستما من باريس؟
كلا، نحن من النورماندي.
ويلوح لي انه والدك. . . أليس كذلك؟
كلا إنه زوجي. . .
ماذا. . . زوجك؟. . . أنت فتاة يانعة يافعة وهو رجل يكبرك جدا، وسمين، ومترهل، وعديم الحيوية، فكيف قبلت به بعلا لك؟
كنت جاهلة ولم افقه معنى الزواج فوقعت في احبولة، وزوجت به. . . والآن أفقت إلى نفسي. . . فرأيت أنني في واد، وفتى أحلامي في واد آخر.
ولم أتيتما إلى باريس؟
لأنني أردت المجيء إلى مدينة النور هذه، مدينة اللهو والحب الاعمى، فطالما طالعت في الصحف الباريسية إعلانات وأخبارا مثيرة، فصممت على أن آتي إلى باريس بأية وسيلة كانت لأمتع نفسي بملاذها. . . ولأختبر آثامها ولوفي أيام قلائل!. . . فاختلقت المرض.
اعترت الفتى الدهشة من مسلك هذه الفتاة الجامحة. . . ففكر في أن يردعها عن غيها، ولكن الشيطان شدد عليه الوطأة، وزين له الإثم الذي هي تسعى إليه. . . فقال لها مبتسما: أبمأذونية أنت في هذه الساعة؟
قالت - أستحصلت على أذن من زوجي لمدة أربع ساعات لازور صديقة لي هنا، فالساعة الآن الخامسة، وعلي أن أعود إلى الفندق في تمام الساعة التاسعة مساء.
حملق الفتى في وجهها، وحملقت في وجهه، وشد على يدها وشدت على يده، فتأبط ذراعها وسارا في (بوليفار غامبيتا الطويل. . . ثم راح يسرد لها منهاجه لاستغلال هذه الساعات المعدودات على اكمل وجه، وقال - نذهب الآن إلى جامع باريس، فنأكل كبابا وبقلاوة، ثم نذهب إلى مقهى فنحتسي بعض المشروب، ثم نزور دار السينما. . . ثم نعرج على فندق